شبهة ان ورقة بن نوفل ترجم الكتاب المقدس إلى اللغة العربية، فاستفاد منه نبينا محمد ﷺ.
منقول من صفحة العلم يؤكد الدين على الفيسبوك
طبعا هذا سؤال لا يمكن أبدا أن يطرحه إنسان قرأ في تاريخ الكتاب المقدس و في تاريخ ترجمات الكتاب المقدس، لكن قبل ذلك دعونا نجيب على هذه الشبهة نقطة نقطة.
أولا الإشكال المطروح اليوم من جماعات المستشرقين ليس في أن محمدا ﷺ قد اقتبس من الكتاب المقدس، فالقضية أوسع من ذلك بكثير؛ فالقرآن متهم أنه مأخوذ من الكتاب المقدس و من التلمود و ايضا من المدرشات و من الترجومات و من كتابات آباء الكنيسة، بل وصل الحال بالمستشرقين أنهم قالوا أن مصادر القرآن قبطية و مصادر هندية و مصادر فارسية و كل يدلو بدلوه فيما يعلم و ما لا يعلم وي كأنهم أحاطوا بالأمر علما فأصبح كل منهم مؤرخ و فيلسوف بل و ناقد للمصادر التاريخية و الله المستعان!! ، لو أن أحدهم قرأ الكتب و بحث في ترجمات الكتاب المقدس لاكتشفوا أن أهم النقاد الذين بحثوا في هذه المسألة قد انتهوا إلى أنه لا يوجد أي دليل على أن الكتاب المقدس قد عُرِّبَ زمن النبوة و لا حتى زمن الخلافة الراشدة.
و لو قرأت كتاب بروس مادزجرا الشهير جدا "The Bible in Translation" ستجده يقول لك أنه من الراجح أن أقدم الترجمات العربية للكتاب المقدس تعود إلى القرن الثامن، هذا قول بروس مادزجرا النصراني المتدين.
و المستشرق توماس باترك هيوز يقول في معجمه الذي خصه للمصطلحات الإسلامية "The Dictionary of Islam" يقول ناقلا عن المستشرق روود وويل : "لا توجد حجة على أن محمدا قد اطلع على الأسفار المسيحية المقدسة، لابد أن يعلم أنه لا توجد آثار واضحة على وجود ترجمة عربية للعهدين القديم و الجديد سابقة لزمن محمد، أقدم ترجمة عربية للعهد القديم بلغنا أمرها هي ترجمة الحبر السعادي الفيومي" و احتج لذلك باختلاف بَيِّن في السيرة الأدبية بين الترجمات العربية المتأخرة لأسفار العهدين و اختلافها ايضا في رسم أسماء الأعلام للقول أنها لا تعود لترجمة عربية قديمة سابقة للإسلام، و إنما هي ترجمات متأخرة عن ذلك من أصول لغوية مختلفة.
بل نترك هؤلاء المستشرقين و نأتي للباحث المصري النصراني الإنجيلي ألبرت ستيرو، كتب أطروحة الدكتوراة عنوانها "'biblical quotations and their source Abdullah Muslim Ibn Qutaiba".
يقول : "ربما ظهرت الترجمات العربية للكتاب المقدس في الفترة الأخيرة من الحكم الأموي في بداية القرن الثامن" إذا يقول لك هذا الرجل النصراني في أطروحته للدكتوراة أن ترجمات المقدس تعود إلى العصر الأموي و مما استدل به لغياب ترجمة عربية قبل ظهور الإسلام عدم حاجة يهود البلاد العربية لهذه الترجمة في لغة العرب إذ دلت النقوش على استعمالهم للآرامية عند اليهود، أما النصارى فيشهدوا على عدم وجود مجتمع نصراني في الحجاز و اعتماد الترجية التي ستكون في القداسات على اللغات الأخرى.
فالنصارى عندما كانوا يتعبدون في صلواتهم كانوا يعتمدون لغات أخرى فمن غير المعقول كما يقول هذا الباحث أن يكون أن يعتمدوا في صلواتهم على لغات أعجمية أجنبية و في المقابل عندهم ترجمات عربية أو ترجمة عربية للكتاب المقدس.
إذا البحث العلمي يقول لنا أن الكتاب المقدس لم يكن قد عُرِّبَ قبل الإسلام و هذا يشمل ورقة بن نوفل و غير ورقة بن نوفل، لم يترجم أبدا إلى اللغة العربية و هذه شاهدة النقاد و ليس شهادات إسلامية حتى لا نُدَانَ بالعاطفية.
ثالثا التهمة الأساسية للاقتباس القرآنى من أهل الكتاب هي الاقتباس من التراث اليهودي لا التراث النصراني، التراث اليهودى فى التوراة و فى التلمود و غير ذلك. هذا هو الجزء الأساسي.
بالنسبة للعهد القديم أو ما يسمى بالتوراة مجازا هل كانت معربة زمن النبوة بتدقيق؟!! و أنا أريد أن أنقل نقطة مهمة جدا هي أنه لا يوجد أي دليل على تعريبها، بل يكاد يكون هناك اجماع على أن ترجمة الحبر السعادي الفيومي هي الترجمة الأولى العربية للعهد القديم. هناك كلمة مهمة جدا قالها المفسر اليهودي الشهير الذي عاش في القرن الثاني عشر و هو المفسر ابن عزرا، يقول في تعليقه على نفس تكوين الفصل الثاني العدد الحادي عشر أن سعادي الفيومي قد ترجم الأسفار الخمسة لموسى إلى لغة إسماعيل من أجل العرب و كتاباتهم ليظهر أنها لا تضم أمورا غير مفهومة.
لنعود إلى نص الحديث الذي يستدل به النصارى و الملاحدة لإثبات أن ورقة بن نوفل قد ترجم أو عَرَّبَ الكتاب المقدس، فنجد الحديث يقول : "و كان يكتب الكتاب العبراني في كتب من الإنجيل 'بالعبرانية' ما شاء الله أن يكتب" لاحظوا أنه كان يكتب الإنجيل بالعبرانية.
هناك رواية أخرى تقول : "كان يكتب الكتاب العربي و يكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب"، إذا عندنا نفس الحديث - حديث عائشة - روي بروايتين إحداهما تقول أن ورقة كان يكتب الإنجيل بالعبرانية و الأخرى تقول بالعربية، و حيث أن الحديث مخرجه واحد فلا يمكن أن يصح الوجهان، لذلك سَنُغَلِّبُ رواية على أخرى.
إذا غلبنا الرواية التي تقول أن ورق بن نوفل كان يكتب الإنجيل بالعبرانية فستنتهي الشبهة تماما لأن هذا يدل أن ورقة بن نوفل لم يعرب شيئا من الكتاب المقدس. و إذا أخذنا الرواية الأخرى التي تقول أن ورقة بن نوفل كان يكتب بالعربية فسيكون ورقة بن نوفل قد عرب جزءا من الكتاب المقدس و ليس كامل الإنجيل؛ لأن الرواية تقول "ما شاء الله أن يكتب" و معنى هذا أنه كان يعرب أجزاء من الإنجيل.
دعنا نتسامح و نقول بأن الإنجيل هنا ليس بمعنى الإناجيل الأربعة و إنما بمعنى العهد الجديد فسيكون الأمر فقط متعلقا بأجزاء من العهد الجديد و الأرجح أنها ستكون الأجزاء الخاصة بالصلوات و بعض النصوص المهمة لأنه "ما شاء الله أن يكتب" إذا سيكون عندنا فقط جزء من العهد الجديد.
النقطة الخامسة إذا لم يترجم ورقة بن نوفل العهد القديم و إنما ترجم فقط أجزاء من العهد الجديد و بفرض أنه قد ترجمها إلى العربية و ليس إلى العبرانية كما في الرواية الأخرى عند البخاري، الآن أين الإشكال هنا؟!
الإشكال أن الجزء الذي يتشابه فيه القرآن مع العهد الجديد أو الإنجيل جزء قليل جدا من التشابهات التي يقال أن محمدا ﷺ قد أخذها من أهل الكتاب، ربما تكون أقل عن خمسة بالمئة، و لو سلمنا لك أنه تم أخذها فعلا من الإنجيل فإذا أنت الآن بحاجة لتفسير مصدر الخمسة و تسعين بالمئة الباقية. و الإشكال أيضا أنه حتى تلك الخمسة و تسعين بالمئة لم تسلم، لماذا؟! لأن المستشرقين عامة و النصارى خاصة منذ أن كتب المنصر ويليام سانكلير في كتابه "The original sources of the Quran" قال فيه أن المصادر الأساسية للقرآن هي مصادر هرطقية أي أنه لم ينقل عن الكتاب المقدس و لا عن العهد الجديد، و إنما نقل عن إنجيل غير معترف به.
إذا حتى لو ترجم ورقة بن نوفل الكتاب المقدس فالقرآن لم يستفد منه ؛ لأن القرآن - بدعواهم - عندما نقل كلام المسيح في المهد - و هذا غير موجود في الأناجيل الأربعة - عندما قال أنه شبه لهم و أن المسيح لم يُصلب و لم يُقتل فإن القرآن بذلك يخالف ما جاء في الكتاب المقدس ، إذا حتى مشابهة القرآن للنصرانية ليست في موافقة له و إنما مخالفة لما جاء به.
لذلك ديفيد ماركريوس - المستشرق البريطاني المعروف و الحاقد على الإسلام و الذي كان في يوم من الأيام قس - يقول في كتابه "Mohammed and the rise of Islam" أن الإنجيل الذي الذي عربه ورقة بن نوفل لا علاقة له بالعهد الجديد و لا بالأناجيل الأربعة، إنما هو على الأرجح إنجيل الطفولة، و يبدو أساسا أنه يقصد إنجيل يعقوب، هذا إنجيل قديم لعله يعود إلى القرن الثاني الميلادي و يتحدث عن طفولة المسيح.
أيضا كمال الصليبي المؤرخ اللبناني صاحب كتاب معروف جدا "التوراة جاءت من جزيرة العرب" له عناية بتاريخ الأديان في المنطقة العربية و غير ذلك، يقول كتابه "من هو يسوع؟" : أن الحديث عندما تحدث عن كتابة إنجيل بالعبرانية كان يقصد الآرامية؛ لأن العرب ما كانوا يميزون بين العبراني و الآرامي، و لعل هذا كلام صحيح أن العرب في تراثهم ما كانوا يميزون بين العربي و الآرامي؛ بسبب ربما استعمال نفس نوع الخط أي الحرف الآرامي المربع، يقول لنا : على الأرجح أن هذا الإنجيل هو إنجيل الناصريين - إنجيل ضاع منذ زمن بعيد جدا -" و يقصد بذلك إما أن يكون إنجيل الناصريين المختفي و هذا أمر بعيد جدا أن يكون هذا الإنجيل قد وصل إلى الجزيرة العربية في القرن السابع أو هو إنجيل الطفولة.
لنفترض أن ورقة بن نوفل قد عرب إنجيل الطفولة، و هو كما ذكرنا لا يشابه القرآن إلا في مسألة أو اثنتين فقط، لذلك عند فحص مجموع التوافق ما بين القرآن و التراث اليهودي النصراني الواسع جدا المذكور في القرآن سنكتشف أن علاقة ورقة بن نوفل بهذا التراث كله هي مسألة أو مسألتين فقط.
خلاصة الكلام هي أن هذا الحديث لا يسعف النصارى في شيء؛ لأنك إن أخذت هذا الحديث و صدقت كل ما فيه فستثبت من خلاله نبوة محمد ﷺ الذي كانت تأتيه الرؤى الصادقة مرات كثيرة جدا و الذي لقي جبريل و الذي صدقه ولرقة بن نوفل لأنه قد جاءه الوحي من جبريل ، أما إذا أردت أن تنتقي من هنا و هناك فلن تنتهي بشيء؛ لأن ورقة بن نوفل قد توفي قبل الإسلام ليس من العلماء الكبار الذي ينتظر منهم الجهد الجبار الكافي لإفادة محمد ﷺ بتفاصيل كثيرة جدا في اليهودية و النصرانية ،ثم أن ورقة بن نوفل لو ترجم شيء إلى العربية فسيكون إنجيل هرطقي إذا فإن هذا الحديث فارغ من أي دلالة يمكن أن تنصر المستشرقين.
الآن بعد ما رددنا على هذه الشبه علينا أن نقلب الشبهة على أهلها و نسألهم سؤال بسيط جدا، هل الكتاب المقدس خال من الاقتباس و الاستفادة و الاستعارة و السرقة الأدبية و العلمية من التراث القديم؟!!