الرد على شبهة "هل ورق بن نوفل هو مصدر القرآن أم لا"
منقول من صفحة العلم يؤكد الدين على الفيسبوك:
الرد المفصل على شبهة "هل ورق بن نوفل هو مصدر القرآن أم لا"تفريغ : صفحة البيان لمقارنة الأديان من حلقة د.سامي عامري
سنجيب عن سؤال يقول بأن ما جاء في حديث البخاري - و هو حديث واحد يستدل به المستشرقون - يدل بذاته على أن محمدا ﷺ قد استعان بورقة في صناعة هذا القرآن، و السؤال الثاني بخصوص إذا ما ترجم ورقة بن نوفل الكتاب النصراني إلى اللغة العربية أم لا.
●سنجيب عن هذه الأسئلة بتفكيك الأمر إلى أجزائه الصغيرة؛ لتكتشفوا بعد ذلك أن هذه الشبهة أوهن من بيت العنكبوت.
●ولكن دعونا أولا نتحدث عن حديث صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها و الحديث باختصار يقول أن رسول الله ﷺ بعدما جاءه جبريل في الغار - غار حراء - ذهب إلى زوجه خديجة رضي الله عنها، فقال : زملوني زملوني، فقالت له : لا تخشى على نفسك لا أظن أن ما بك هو شيء من مس الجن فأنت إنسان فيك من الكرم و الصدق و غير ذلك من الخصال الحميدة و دعني أخذك إلى ورقة بن نوفل إنه رجل يعرف أخبار أهل الكتاب و رجل قد كان تنصر في الجاهلية نسأله عن أمرك، فقال لها ورقة بن نوفل بعد ما سمع الخبر أن هذا الذي في محمد ﷺ و ما لقيه في غار حراء هو أمر نبوة جاءه هو الذي جاء إلى موسى عليه السلام.
هذا باختصار أمر الحديث، و سنقرأ الحديث سويا؛ لأننا سوف نستفيد من كل كلمة في هذا الحديث الحديث.
عَنْ عائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أنَّها قالَتْ: أوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ في النَّوْمِ، فَكانَ لا يَرَى رُؤْيا إلَّا جاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إلَيْهِ الخَلاءُ، وكانَ يَخْلُو بغارِ حِراءٍ فَيَتَحَنَّثُ فيه - وهو التَّعَبُّدُ - ........ فانْطَلَقَتْ به خَدِيجَةُ حتَّى أتَتْ به ورَقَةَ بنَ نَوْفَلِ بنِ أسَدِ بنِ عبدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وكانَ امْرَأً تَنَصَّرَ في الجاهِلِيَّةِ، وكانَ يَكْتُبُ الكِتابَ العِبْرانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإنْجِيلِ بالعِبْرانِيَّةِ ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَكْتُبَ، وكانَ شيخًا كَبِيرًا قدْ عَمِيَ، فقالَتْ له خَدِيجَةُ: يا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أخِيكَ، فقالَ له ورَقَةُ: يا ابْنَ أخِي ماذا تَرَى؟ فأخْبَرَهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَبَرَ ما رَأَى، فقالَ له ورَقَةُ: هذا النَّامُوسُ الذي نَزَّلَ اللَّهُ علَى مُوسَى، يا لَيْتَنِي فيها جَذَعًا، لَيْتَنِي أكُونُ حَيًّا إذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ، قالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ ما جِئْتَ به إلَّا عُودِيَ، وإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ ورَقَةُ أنْ تُوُفِّيَ، وفَتَرَ الوَحْيُ. وقال : يونس ومعمر (بوادره). أخرجه البخاري (3)، ومسلم (160)
دعونا الآن نناقش السؤال الأول : هل استعان النبي محمد ﷺ بورقة بن نوفل؟
من خلال ما نفهمه من هذا الحديث، فهذا الحديث هو الحجة الوحيدة للنصارى و من يوافقهم من الملاحدة المستدل بها لإثبات استعانة النبي محمد ﷺ بورقة بن نوفل.
أولا هناك إشكالية منهجية في التعامل مع الحديث النبوي، فإذا أردت أن تستدل بحديث لمذهبك فلابد أن تضطرد في قاعدة لهذا الاستدلال، بمعنى لا يمكن أن تأتي إلى هذا التراث الحديثي الضخم جدا فتنتقي حديث واحد أو خمسة أو سبعة و ترفض الباقي؛ هذه الأحاديث كل حديث منها له سنده الخاص، لا بد أن يكون لديك منهج خاص، فمثلا لا يمكن أن تقبل حديث آحاد و ترفض المتواتر، و لا يمكن أن تترك الحديث الصحيح المعتضد بالقرائن الكثيرة الأخرى التي تقويه إلى مرتبة أعلى و تأخذ بحديث منقطع أو حديث مرسل؛ فهذا خلل.
الإشكالية المنهجية التي تواجه جميع المستشرقين و التي دعت المستشرقين إلى أن يهملوا تقريبا الحديث النبوي هي : أن قبول حديث واحد من الحديث النبوي سيدخلك في مأزق التعامل مع هذا الحديث؛ لأنك ستضطر أن تأخذ أقوى منه إسنادا و أكثر طرقا، و إذا فعلت ذلك ستجد نفسك تعتمد أحاديث تدل على المعجزات النبوية بأسانيد متواترة أو آحاد متعاضدة و آحاد صحيحة، و ستجد نفسك تقرأ في سيرة النبي الخاتم بالأحاديث الصحيحة التي تدل على كماله الأخلاقي، و المستشرق مضطر إلى القول أن النبي الإسلامي ﷺ قد افترى القرآن و النبوة و جاء بها من كيسه.
إذا تعاملك مع الحديث النبوي معضلة مبدأية منهجية؛ فإذا قابلت هذا الحديث لابد أن تقبل الأحاديث بنفس هذا الإسناد و أحاديث أخرى بأسانيد أقوى و متكاثرة، و ستضطر عندها إلى تغليب الأكثر و الأقوى الدال على النبوة.
المستشرق البريطاني ديفيد مارجريوس في كتابه "محمد و صعود الإسلام" يقول لنا في الصفحة ٩٢ و ٩٣ أنه يجب ألا نتعجل في قبول لقاء ورقة بن نوفل مع خديجة و الرسول ﷺ؛ لأنه لديه إشكالات مع قبول هذا اللقاء أصلا. طبعا المشكلة في أنه قد قبل بعض الأشياء في الحديث الذي ذكرناه و رفض البعض الآخر.
حسنا، ما هو دليلك العلمي المنهجي الذي على أساسه تقبل جزء من الحديث و ترفض باقي الحديث؟!! أمر مشكل جدا؛إذ أن هذا اللقاء نفسه - الذي يستدل به النصارى العرب - هناك من المستشرقين من يشككون فيه.
أقول مرة أخرى أن هذه الشبهة التي لا تكاد تجدها عند المستشرقين ؛ تجدها عند النصارى العرب، و هؤلاء يعيشون خارج التاريخ و الجغرافيا، يعيشون في عصور أخرى في العصور الوسطى مع كتاباتهم الهزيلة بعيدا عن الثورة المعرفية الحاصلة اليوم سواء في الدراسات الاستشراقية أو في دراسات الكتاب المقدس.
إذا الإشكالية الأولى هي أن قبولك لأحد أحاديث البخاري يضطرك أن تقبل جمهور الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة و ستضطر ضرورة بعد ذلك إلى الإقرار بنبوة محمد ﷺ.
الإشكالية الثانية التي يطرحها هذا الحديث هي أن هذا الحديث يقول بالحرف أن رسول الله ﷺ كان لا يرى رؤية إلا جاءت مثل فلق الصبح، أي أنه قبل أن يلتقي بجبريل كان تأتيه رؤى كثيرة جدا صادقة جدا، و هذا ليس من خبر الكذابين و الدجالين، و إنما هذا جزء من النبوة كما جاء في الحديث النبوي في قوله ﷺ : "الرؤيا الصالحة جزء من ستة و أربعين جزءا من النبوة". ،فكيف إذا تقبل أن يكون محمد ﷺ رجل يفتري النبوة و كانت تأتيه الروى الصادقة مرات كثيرة؟! طبعا هذا يجعلك تميل إلى تصديق نبوته؛ لأنك الى تكذيب هذه النبوة.
ثالثا نفس هذا الحديث يقول لنا أن محمدا ﷺ قد التقى جبريل و لقاءه بهذا الملك الذي ينزل بالوحي على الأنبياء برهان لنبوته. فكيف نأتي إلى هذا الحديث فنقتطع ما يوافق الهوى و نرفض الباقي؟!! هذا الحديث بذاته و هذه الواقعة بذاته برهان مباشر على النبوة.
رابعا ورقة بن نوفل في هذا الحديث قد شهد لمحمد ﷺ - بعد ما سمع كلامه، و وصفه لما حصل معه - شهد له بالنبوة فهو الذي قال له أن هذا هو الناموس الذي أنزل الله على موسى عليه السلام، بل و زاده قائلا : "يا ليتني فيه جذع - أي يا ليتني عندما تأتيك النبوة أكون شابا قويا -". و هنا نجده يتمنى أن يشهد بعثة النبي ﷺ و لذلك ذهب طائفة من العلماء إلى أن ورقة بن نوفل من الصحابة كمذهب الطبري و البغوي و ابن قانع و ابن سكن، و قد الف أبو الحسن برهان الدين البقاعي كتابا في أن ورقة بن نوفل صحابي و سماه "بذل النصح و الشفقة للتعريف بصحبة السيد ورقة" ، فنحن نتعامل مع رجل عندما شهد و علم أَمْرَ محمد ﷺ شهد له بالنبوة، فكيف يكون فعل ورقة حجة ضد نبوة محمد ﷺ؟!!
خامسا : غاية ما نعرفه عن ورقة بن نوفل أنه رجل قد تنصر في الجاهلية، و لم يُذكر عنه أنه قد سافر خارج مكة و لا أن التقى بالعلماء و اللاهوتيين و لا أنه حصَّل مادة معرفية علمية كبيرة.
غاية أمره أنه رجل تنصر، إذا هو لم يكن من العلماء، و حتى لو كان عنده علم بالنصرانية او كان يعتبر في بيئة مكة من الناس الذين لهم علم النصرانية فهذا لا يجعله في مصاف المتقدمين، لا يجعله أبدا؛ لأن العلم بالنصرانية في ذاك الزمن القديم على غير ما يتصوره الناس في زمننا اليوم، في الزمن القديم كان العلم و التدقيق في قضايا النصرانية - في زمن المخطوطات و زمن الدراسة الصعبة - يستغرق جهد ضخم جدا و كان كثير من الناس الذين يهتمون بهذا الباب : إما أنهم يذهبون إلى المدارس اللاهوتية أو أنهم من الرهبان الذين لهم حيز واسع جدا من الوقت للتعلم و نسخ المخطوطات.
فما نعرفه عن ورقة في هذه الحدود لا يدل على أنه من الممكن أن يكون مرجعا ضخما و كبيرا بالقدر الذي يجعله مصدرا لنبوة تتحدث في أمر يهودي و نصراني بتفاصيل كثيرة جدا.
سادسا الحديث - الذي يستدل به النصارى والملاحدة لإثبات أن ورقة بن نوفل مصدر من مصادر القرآن - يقول لهم أن ورقة بن نوفل قد توفي بعد فترة قصيرة جدا من لقائه برسول الله ﷺ فكيف يكون هو مصدرا للقرآن رسول الله ﷺ بعد النبوة بعد ما بدأ القرآن ينزل ، و طبعا أنتم تعرفون أن القرآن ليس كتابا عرضه رسول الله ﷺ على الناس مرة واحدة، بل هو قرآن فيه أجوبة، يتحدث عن مواقف و وقائع، و هذا يعني أنه مربوط بالزمن؛ فلا يمكن أن تقول أن القرآن كان مخفيا ثم ظهر فجأة، لا بل و أيضا مرتبط بالبيئة و يتفاعل مع البيئة في إجابة الأسئلة و في إنزال الأحكام المراعية لتطور حال المسلمين من استضعاف و غير ذلك؛ فلا يمكن أبدا أن يكون القرآن كتاب جاهز قبل ذلك.
فإذا كان ورقة قد توفي مباشرة بعد هذا اللقاء، فكيف يكون مصدرا القرآن؟! و لنفترض جدلا أن ورقة هو مصدر سورة العلق، و ماذا عن باقي السور؟!! فسورة العلق بأكملها نسبته من القرآن مثلا ثلاثة في الألف يعني أنها أقل من واحد بالمئة من القرآن، حتى لو أضفنا معها سورة القلم و سورة المزمل و المدثر و هي السور الأولى من القرآن فإن هذا لن يدل على شيء ، و حتى لو أضفنا و مددنا المدة فهذا لا يدل أيضا على شيء، نعم لا يدل على شيء إطلاقا؛ فعدد السور الأولى قليل و كذلك عدد آياتها قليل جدا، ثم إن هذه السورة أصلا ليس فيها أي شيء متعلق بعقائد اليهود و النصارى و قصص الأولين ، لذلك فالسور الأولى لا يمكن أن تكون حتى متأثرة بما جاء و بما كان يعرفه ورقة بن نوفل؛ و هذا سيضطرك إلى القول أنه لا علاقة إطلاقا بين القرآن و ورقة بن نوفل؛ بسبب الفاصل الزمني بين زمن الرسالة و البلاغ و بين عصر حياة ورقة.
سابعا أن الوجه الأول و الأبرز و الأعظم لإعجاز القرآن هو إعجازه البلاغي و البياني، فأين حاله ورقة بن نوفل من إعجاز القرآن البلاغي و البياني؟!! لا توجد أي علاقة؛ فهذا الوجه الأساسي من الإعجاز لا علاقة له بورقة، فكيف يكون ورقة هو مصدر القرآن؟!! ؛ فانت هنا تقف أمام حديث يشهد لنبوة محمد ﷺ و لا يشهد ضد هذا النبوة.
قد يُقال أن الوحي قد فتر مباشرة بعد وفاة ورقة بن نوفل، فكيف تفسر هذا الأمر؟! كيف تفسر الآن أن الوحي انقطع بعد وفاة ورقة؟!
نقول : لم ينزل من القرآن في حياة ورقة إلا آيات قليلة جدا، فكيف تربطون هذه بهذه؟! ففتور الوحي قد يكون له أي سبب مثل جزع محمد ﷺ حتى تهدأ نفسه و بعد ذلك ينزل عليه الوحي مرة أخرى؛ فنزول الوحي أمر شديد على القلب، و كيف لا و أنت ترى ملكا عظيما؟! كيف لا و أنت تتعامل مع عالم الغيب كفاحا بعيني رأسك؟! الأمر شديد على القلب فلا تتصور أنه سهل؛ فلعل الوحي انقطع حتى تهدأ نفس نبي الإسلام ﷺ.
أما قولك أن ورقة هو مصدر الوحي لكون موته جاء مزامنا لانقطاع الوحي فهذا الكلام قد يكون صحيحا إذا كان ما نزل من القرآن هو أغلبه، حينها سيكون لك عذر حتى تشك. لكن إن لم يكد ينزل شيء من القرآن فقولك مجرد تكلف لا معنى له.
شبهة ان ورقة بن نوفل ترجم الانجيل للعربية وتركه للنبي صلى الله عليه وسلم
دعونا الآن نناقش نقطة أخرى و هي القول أن ورقة قد ترجم الكتاب المقدس إلى اللغة العربية، فاستفاد منه نبينا محمد ﷺ.
طبعا هذا سؤال لا يمكن أبدا أن يطرحه إنسان قرأ في تاريخ الكتاب المقدس و في تاريخ ترجمات الكتاب المقدس، لكن قبل ذلك دعونا نجيب على هذه الشبهة نقطة نقطة.
أولا الإشكال المطروح اليوم من جماعات المستشرقين ليس في أن محمدا ﷺ قد اقتبس من الكتاب المقدس، فالقضية أوسع من ذلك بكثير؛ فالقرآن متهم أنه مأخوذ من الكتاب المقدس و من التلمود و ايضا من المدرشات و من الترجومات و من كتابات آباء الكنيسة، بل وصل الحال بالمستشرقين أنهم قالوا أن مصادر القرآن قبطية و مصادر هندية و مصادر فارسية و كل يدلو بدلوه فيما يعلم و ما لا يعلم وي كأنهم أحاطوا بالأمر علما فأصبح كل منهم مؤرخ و فيلسوف بل و ناقد للمصادر التاريخية و الله المستعان!! ، لو أن أحدهم قرأ الكتب و بحث في ترجمات الكتاب المقدس لاكتشفوا أن أهم النقاد الذين بحثوا في هذه المسألة قد انتهوا إلى أنه لا يوجد أي دليل على أن الكتاب المقدس قد عُرِّبَ زمن النبوة و لا حتى زمن الخلافة الراشدة.
و لو قرأت كتاب بروس مادزجرا الشهير جدا "The Bible in Translation" ستجده يقول لك أنه من الراجح أن أقدم الترجمات العربية للكتاب المقدس تعود إلى القرن الثامن، هذا قول بروس مادزجرا النصراني المتدين.
و المستشرق توماس باترك هيوز يقول في معجمه الذي خصه للمصطلحات الإسلامية "The Dictionary of Islam" يقول ناقلا عن المستشرق روود وويل : "لا توجد حجة على أن محمدا قد اطلع على الأسفار المسيحية المقدسة، لابد أن يعلم أنه لا توجد آثار واضحة على وجود ترجمة عربية للعهدين القديم و الجديد سابقة لزمن محمد، أقدم ترجمة عربية للعهد القديم بلغنا أمرها هي ترجمة الحبر السعادي الفيومي" و احتج لذلك باختلاف بَيِّن في السيرة الأدبية بين الترجمات العربية المتأخرة لأسفار العهدين و اختلافها ايضا في رسم أسماء الأعلام للقول أنها لا تعود لترجمة عربية قديمة سابقة للإسلام، و إنما هي ترجمات متأخرة عن ذلك من أصول لغوية مختلفة.
بل نترك هؤلاء المستشرقين و نأتي للباحث المصري النصراني الإنجيلي ألبرت ستيرو، كتب أطروحة الدكتوراة عنوانها "'biblical quotations and their source Abdullah Muslim Ibn Qutaiba".
يقول : "ربما ظهرت الترجمات العربية للكتاب المقدس في الفترة الأخيرة من الحكم الأموي في بداية القرن الثامن" إذا يقول لك هذا الرجل النصراني في أطروحته للدكتوراة أن ترجمات المقدس تعود إلى العصر الأموي و مما استدل به لغياب ترجمة عربية قبل ظهور الإسلام عدم حاجة يهود البلاد العربية لهذه الترجمة في لغة العرب إذ دلت النقوش على استعمالهم للآرامية عند اليهود، أما النصارى فيشهدوا على عدم وجود مجتمع نصراني في الحجاز و اعتماد الترجية التي ستكون في القداسات على اللغات الأخرى.
فالنصارى عندما كانوا يتعبدون في صلواتهم كانوا يعتمدون لغات أخرى فمن غير المعقول كما يقول هذا الباحث أن يكون أن يعتمدوا في صلواتهم على لغات أعجمية أجنبية و في المقابل عندهم ترجمات عربية أو ترجمة عربية للكتاب المقدس.
إذا البحث العلمي يقول لنا أن الكتاب المقدس لم يكن قد عُرِّبَ قبل الإسلام و هذا يشمل ورقة بن نوفل و غير ورقة بن نوفل، لم يترجم أبدا إلى اللغة العربية و هذه شاهدة النقاد و ليس شهادات إسلامية حتى لا نُدَانَ بالعاطفية.
ثالثا التهمة الأساسية للاقتباس القرآنى من أهل الكتاب هي الاقتباس من التراث اليهودي لا التراث النصراني، التراث اليهودى فى التوراة و فى التلمود و غير ذلك. هذا هو الجزء الأساسي.
بالنسبة للعهد القديم أو ما يسمى بالتوراة مجازا هل كانت معربة زمن النبوة بتدقيق؟!! و أنا أريد أن أنقل نقطة مهمة جدا هي أنه لا يوجد أي دليل على تعريبها، بل يكاد يكون هناك اجماع على أن ترجمة الحبر السعادي الفيومي هي الترجمة الأولى العربية للعهد القديم. هناك كلمة مهمة جدا قالها المفسر اليهودي الشهير الذي عاش في القرن الثاني عشر و هو المفسر ابن عزرا، يقول في تعليقه على نفس تكوين الفصل الثاني العدد الحادي عشر أن سعادي الفيومي قد ترجم الأسفار الخمسة لموسى إلى لغة إسماعيل من أجل العرب و كتاباتهم ليظهر أنها لا تضم أمورا غير مفهومة.
لنعود إلى نص الحديث الذي يستدل به النصارى و الملاحدة لإثبات أن ورقة بن نوفل قد ترجم أو عَرَّبَ الكتاب المقدس، فنجد الحديث يقول : "و كان يكتب الكتاب العبراني في كتب من الإنجيل 'بالعبرانية' ما شاء الله أن يكتب" لاحظوا أنه كان يكتب الإنجيل بالعبرانية.
و هذه رواية و هناك رواية أخرى تقول : "كان يكتب الكتاب العربي و يكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب"، إذا عندنا نفس الحديث - حديث عائشة - روي بروايتين إحداهما تقول أن ورقة كان يكتب الإنجيل بالعبرانية و الأخرى تقول بالعربية، و حيث أن الحديث مخرجه واحد فلا يمكن أن يصح الوجهان، لذلك سَنُغَلِّبُ رواية على أخرى.
إذا غلبنا الرواية التي تقول أن ورق بن نوفل كان يكتب الإنجيل بالعبرانية فستنتهي الشبهة تماما لأن هذا يدل أن ورقة بن نوفل لم يعرب شيئا من الكتاب المقدس. و إذا أخذنا الرواية الأخرى التي تقول أن ورقة بن نوفل كان يكتب بالعربية فسيكون ورقة بن نوفل قد عرب جزءا من الكتاب المقدس و ليس كامل الإنجيل؛ لأن الرواية تقول "ما شاء الله أن يكتب" و معنى هذا أنه كان يعرب أجزاء من الإنجيل.
دعنا نتسامح و نقول بأن الإنجيل هنا ليس بمعنى الإناجيل الأربعة و إنما بمعنى العهد الجديد فسيكون الأمر فقط متعلقا بأجزاء من العهد الجديد و الأرجح أنها ستكون الأجزاء الخاصة بالصلوات و بعض النصوص المهمة لأنه "ما شاء الله أن يكتب" إذا سيكون عندنا فقط جزء من العهد الجديد.
النقطة الخامسة إذا لم يترجم ورقة بن نوفل العهد القديم و إنما ترجم فقط أجزاء من العهد الجديد و بفرض أنه قد ترجمها إلى العربية و ليس إلى العبرانية كما في الرواية الأخرى عند البخاري، الآن أين الإشكال هنا؟!
الإشكال أن الجزء الذي يتشابه فيه القرآن مع العهد الجديد أو الإنجيل جزء قليل جدا من التشابهات التي يقال أن محمدا ﷺ قد أخذها من أهل الكتاب، ربما تكون أقل عن خمسة بالمئة، و لو سلمنا لك أنه تم أخذها فعلا من الإنجيل فإذا أنت الآن بحاجة لتفسير مصدر الخمسة و تسعين بالمئة الباقية. و الإشكال أيضا أنه حتى تلك الخمسة و تسعين بالمئة لم تسلم، لماذا؟! لأن المستشرقين عامة و النصارى خاصة منذ أن كتب المنصر ويليام سانكلير في كتابه "The original sources of the Quran" قال فيه أن المصادر الأساسية للقرآن هي مصادر هرطقية أي أنه لم ينقل عن الكتاب المقدس و لا عن العهد الجديد، و إنما نقل عن إنجيل غير معترف به.
إذا حتى لو ترجم ورقة بن نوفل الكتاب المقدس فالقرآن لم يستفد منه ؛ لأن القرآن - بدعواهم - عندما نقل كلام المسيح في المهد - و هذا غير موجود في الأناجيل الأربعة - عندما قال أنه شبه لهم و أن المسيح لم يُصلب و لم يُقتل فإن القرآن بذلك يخالف ما جاء في الكتاب المقدس ، إذا حتى مشابهة القرآن للنصرانية ليست في موافقة له و إنما مخالفة لما جاء به.
لذلك ديفيد ماركريوس - المستشرق البريطاني المعروف و الحاقد على الإسلام و الذي كان في يوم من الأيام قس - يقول في كتابه "Mohammed and the rise of Islam" أن الإنجيل الذي الذي عربه ورقة بن نوفل لا علاقة له بالعهد الجديد و لا بالأناجيل الأربعة، إنما هو على الأرجح إنجيل الطفولة، و يبدو أساسا أنه يقصد إنجيل يعقوب، هذا إنجيل قديم لعله يعود إلى القرن الثاني الميلادي و يتحدث عن طفولة المسيح.
أيضا كمال الصليبي المؤرخ اللبناني صاحب كتاب معروف جدا "التوراة جاءت من جزيرة العرب" له عناية بتاريخ الأديان في المنطقة العربية و غير ذلك، يقول كتابه "من هو يسوع؟" : أن الحديث عندما تحدث عن كتابة إنجيل بالعبرانية كان يقصد الآرامية؛ لأن العرب ما كانوا يميزون بين العبراني و الآرامي، و لعل هذا كلام صحيح أن العرب في تراثهم ما كانوا يميزون بين العربي و الآرامي؛ بسبب ربما استعمال نفس نوع الخط أي الحرف الآرامي المربع، يقول لنا : على الأرجح أن هذا الإنجيل هو إنجيل الناصريين - إنجيل ضاع منذ زمن بعيد جدا -" و يقصد بذلك إما أن يكون إنجيل الناصريين المختفي و هذا أمر بعيد جدا أن يكون هذا الإنجيل قد وصل إلى الجزيرة العربية في القرن السابع أو هو إنجيل الطفولة.
لنفترض أن ورقة بن نوفل قد عرب إنجيل الطفولة، و هو كما ذكرنا لا يشابه القرآن إلا في مسألة أو اثنتين فقط، لذلك عند فحص مجموع التوافق ما بين القرآن و التراث اليهودي النصراني الواسع جدا المذكور في القرآن سنكتشف أن علاقة ورقة بن نوفل بهذا التراث كله هي مسألة أو مسألتين فقط.
خلاصة الكلام هي أن هذا الحديث لا يسعف النصارى في شيء؛ لأنك إن أخذت هذا الحديث و صدقت كل ما فيه فستثبت من خلاله نبوة محمد ﷺ الذي كانت تأتيه الرؤى الصادقة مرات كثيرة جدا و الذي لقي جبريل و الذي صدقه ولرقة بن نوفل لأنه قد جاءه الوحي من جبريل ، أما إذا أردت أن تنتقي من هنا و هناك فلن تنتهي بشيء؛ لأن ورقة بن نوفل قد توفي قبل الإسلام ليس من العلماء الكبار الذي ينتظر منهم الجهد الجبار الكافي لإفادة محمد ﷺ بتفاصيل كثيرة جدا في اليهودية و النصرانية ،ثم أن ورقة بن نوفل لو ترجم شيء إلى العربية فسيكون إنجيل هرطقي إذا فإن هذا الحديث فارغ من أي دلالة يمكن أن تنصر المستشرقين.
الآن بعد ما رددنا على هذه الشبه علينا أن نقلب الشبهة على أهلها و نسألهم سؤال بسيط جدا، هل الكتاب المقدس خال من الاقتباس و الاستفادة و الاستعارة و السرقة الأدبية و العلمية من التراث القديم؟!!