الرد على الشبهات حول زواج السيدة عائشة رضي الله عنها وشبهة زواج القاصرات (رد مُفصَّل)

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ:
منقول من صفحة العلم يؤكد الدين على الفيسبوك:

من أكثر الشبهات التي يتغنى بها غير المسلمين من الملاحدة و المسيحيين و غيرهم ضد الإسلام هي شبهة زواج السيدة عائشة رضي الله عنها من الرسول صلى الله عليه و سلم في سن التاسعة، فيقولون كيف تتبعون نبيا يرتكب البيدوفيليا-وحاشاه-؟!
الرد :
أولا : نحن كمسلمين نقر أن السيدة عائشة رضي الله عنها قد تزوجت في سن التاسعة و أي مسلم يحاول إنكار هذا من خلال مقارنة سن السيدة عائشة مع سن أختها السيدة أسماء رضي الله عنهما فكلامه مردود و الروايات التي اعتمد عليها ضعيفة (راجع الحلقة (1)).
ثانيا: دعنا نطلع على سن الزواج و الزنا قديما و حديثا عبر التاريخ :
الرواية نفسها التي تتحدث عن هذا الزواج جاءت على لسان السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول : تَزَوَّجَنِي النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَأَنَا بنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بي وَأَنَا بنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. (صحيح مسلم)
من هذه الرواية ندرك ان النبي صلى الله عليه وسلم انتظر ثلاث سنوات حتى بنى بها وهذا يؤكد انها اصبحت مؤهلة وصالحة للزواج (كما سيتبين في هذا المقال)

و من أقوال بعض المؤرخين في هذا الموضوع :
يقول المؤرخ ويل ديورنت في كتابه قصة الحضارة (161/36) : "إن الإناث في البلاد الحارة يكن صالحات للزواج في سن الثامنة أو التاسعة أو العاشرة و يهرمن -أي يبلغن سن العجز- في سن العشرين".
لذلك لا يوجد أي وجه للمقارنة بين امرأة كانت موجودة منذ ١٤ قرن و أخرى في أيامنا هذه، فإن كانت المرأة في زماننا هذا تبلغ سن الرشد في سن الخامسة عشر مثلا فكيف تقارنها بأخرى تكون قد وصلت لسن العجز في سن العشرين؟! فإن سن الإدراك و الرشد في زماننا هذا هو سن العجز من ١٤ قرنا و بالتالي فإن المقارنة بينهما هو ضرب من الخيال.

وتقول عالمة الأديان كارن أرمسترونج في كتابها محمد سيرة الرسول (محمد نبي هذا الزمان) : "لم يكن هناك أي خطأ في خطوبة محمد صلى الله عليه و سلم لعائشة رضي الله عنها؛ فالزيجات التي أجريت وقتها كانت غالبا تتم بين البالغين و القصَّر الذين هم أصغر سننا من عائشة نفسها و قد استمرت هذه الظاهرة في أوروبا حتى وقت مبكر من العصر الحديث و لم يكن هناك شك أن عقد الزواج لم يتم إلا عندما وصلت عائشة سنَ البلوغ حيث زُوجت مثل أي فتاة أخرى".
و أعتقد أن هذا قد حسم الموضوع أصلا، و لكن الغريب أنك تجد الملاحدة و هم يصيحون بهذا الموضوع و كأنهم قد قرأوا التاريخ كله و أتوك بالخلاصة منه.

ويقول المستشرق آن بيزينت في كتابه " حياة وتعاليم محمد «دار مارس للنشر ١٩٣٢ » " :
هل تقصد أن تخبرني أن رجلا في عنفوان شبابه لم يتعد الرابعة والعشرين من عمره بعد أن تزوج من امرأة أكبر منه بكثير (خديجة بنت خويلد ) وظل وفيا لها طيلة 26 عاما ثم عندما بلغ الخمسين من عمره ذلك السن التي تخبو فيها شهوات الجسد تزوج لإشباع رغباته وشهواته ۱۹ ليس هكذا يكون الحكم على حياة الأشخاص فلو نظرت إلى النساء اللاتي تزوجهن لوجدت أن كل زيجة من هذه الزيجات كانت سبباً إما في الدخول في تحالف لصالح أتباعه ودينه أو الحصول على شيء يعود بالنفع على أصحابه أو كانت المرأة التي تزوجها في حاجة ماسة للحماية".

و لهؤلاء المعترضين من النصارى على زواج السيدة عائشة رضي الله عنها :

 أوليس القديس يوسف النجار قد تزوج من السيدة مريم عليها السلام و هي في سن الثانية عشر بينما كان هو في سن الثالثة و التسعين من عمره.(راجع الموسوعة الكاثوليكية من موقع new advent)
و في العهد القديم الذي يؤمن به اليهود و النصارى ستجدون نص في سفر نشيد الأنشاد 8: 8
يقول :"لَنَا أُخْتٌ صَغِيرَةٌ لَيْسَ لَهَا ثَدْيَانِ. فَمَاذَا نَصْنَعُ لأُخْتِنَا فِي يَوْمٍ تُخْطَبُ؟"، فهذا يدل على أن هذه الفتاة رغم صغرها كانت تُخطب بشكل عادي جدا بل و قبل أن يظهر عليها علامات الأنوثة.

ونقرأ في كتاب "المراهقة و الجنس و القانون الجنائي، وجهات نظر متعددة التخصصات" و هو كتاب يتحدث عن سن الرشد و يناقش السلوك الجنسي للمراهقين و مكتوب لمجال المحاماة الخاصة بقضايا الإجرام و النشاط الجنسي ضد الأطفال يقول المؤلف في صفحة 25 : "سن الرشد كان يتزامن عبر التاريخ مع سن البلوغ حتي أنه في بعض الأحيان يكون في السابعة، سابقا كان سن الرشد مسألة عائلية أو قبلية و لم يتحول إلى مسألة قانونية إلا في العصر اليوناني الروماني و قد استمرت الكنيسة آنذاك في تعيين الحد الأدنى الرشد عند السابعة من العمر" و يقول المؤلف أيضاً : "كان سن الرشد مسألة تقرها العائلة أو تقليدا قبليا
يعني سن الرشد كان يختلف من عائلة لعائلة ومن قبيلة لقبيلة في نفس الزمان!!
   
و بهذا يتضح لنا أن هذه المسألة تختلف من زمان لآخر وومن مكان للآخر، و لا ننسى أساسا أن مفهوم الرشد نفسه متغير؛ فهل مثلا معني الإدراك و المسؤولية و الرشد في عصرنا عصر الاتصالات و تكنولوجيا المعلومات هو نفسه في الأماكن القاسية كالصحارى في العصور المظلمة؟! قطعا لا.

و من الأمثلة التي توضح لنا أن أمور مثل الرشد و البلوغ أمور تختلف من زمن لآخر هو تولي توت عنخ آمون عرش مصر و هو في عمر التاسعة، فهذا يعني أنه كان في نظرهم إنسانا بالغا قادرا على حكم البلاد وغيره من حكام الرومان والبلاد الاخرى قديما في سن مقارب لسنه ، حتى ان أسامة بن زيد تولى قيادة جيش المسلمين في عمر 18 سنة فقط!! و بالتالي فإن مفهوم عصرنا هذا عن الرشد و البلوغ لا يمكن تطبيقه على العصور السابقة لنا و إلا كان هذا ظلما في حق العقل.

و من أمثلة الزيجات التي حدثت في سن صغيرة في العصور السابقة، زواج إيزابيل في القرن الثاني عشر عندما كان عمرها ١٠ سنوات، و أيضاً زواج جوانا ملكة صقلية في عمر الحادية عشر في القرن الثاني عشر، و زواج فيليب الرابع من الملكة ذات الأحد عشر عاما في القرن الثالث عشر، و في القرن الرابع عشر تزوجت إيزابيلا ملكة إنجلترا و هي في سن الثامنة، و سن الزنا القانوني بالتراضي في قانون نابليون في فرنسا هو أحد عشر عاما و تم رفعه لثلاثة عشر.

لك أن تتخيل عزيزي الملحد أن هذا هو الغرب - الذي تقدسه و تجعله إلها لك تعبده و تتخذه مرجعا تقيس عليه أفعالك و تصرفاتك - كانوا يطبقون ما تدعوه أنت بيدوفيليا، فهل مازلت تعتقد أنها بيدوفيليا أم زال هذا الاعتقاد لأن الإله الذي تعبده أنت يطبقه؟!

و زواج الرجل الكبير من البنت التي تصغره بكثير كان أمرا عاديا هو الآخر و هناك شواهد كثيرة على ذلك من تاريخ الإسلام كما قالت كارن أرمسترونج، و من ذلك زواج عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة ١٧ هجريا من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب و كان عمرها ١١سنة بينما كان هو في السابعة و الخمسين من عمره، و أيضاً زواج طلحة بن عبيد الله من أم كلثوم بنت أبي بكر رضي الله عنهما و كان الفارق في السن بينهما ٤٠ عاما، و بالرغم من ذلك لم يعترض أحد من أهل هذا الزمن، كما لم يعترض الكفار على زواج الرسول صلى الله عليه و سلم من عائشة رضي الله عنها رغم أنهم هم أولى بالطعن فيه و في أخلاقه منكم، و فوق كل هذا كانت عائشة رضي الله عنها مخطوبة لجبير بن مُطعَم قبل أن تُخطب له و هذا إن دل على شيئا فإنما يدل على كونه أمرا عاديا.

و نحن لا نقول أن هذه الظروف ملائمة لزمننا هذا و لا ندعوا لتطبيقها في عصرنا، و إنما نقول أن لكل زمان و مكان ظروف و قوانين خاصة به، فلا يجوز عقلا أن نطبق معاييرنا نحن في عصرنا هذا علي زمن قد انقضى منذ ما يزيد عن ١٤٠٠ عام و أيضاً لا يجوز عقلا أن نطبق معايير ذلك الزمن على زمننا هذا.

ثم إن سن الزواج في الغرب الذي تعبده و تقدسه و تجعله مرجعا لك عزيزي الملحد في عصرنا الحديث و حتى عام ١٨٨٠ يوافق ما ذكرناه سابقاً بل و في العالم كله، فمثلا روسيا كان سن الزواج فيها هو ١٠ سنوات، و في أريزونا كان ١٠ سنوات، و في إسبانيا كان ١٢ سنة، و في مونتانا أيضاً ١٠ سنوات و في غرب أستراليا و كندا كان ١٢ سنة (2).

 فهذه هي الدول التي تسعى لللجوء إليها أليس كذلك؟ لكن أليس من الأولى انتقادها؟ أم إنك لا تستطيع انتقاد الغرب المقدس.

و جدير بالذكر أن الإسلام لم يحدد سنا معينا للزواج؛ و ذلك لاختلاف أحوال و ظرف كل زمان عن غيره و كل مكان عن غيره، و إنما وضع الله لنا قواعد صالحة للتطبيق في كل زمان و مكان و من ذلك :

قوله تعالى : "و ابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح"
 أي بلغوا سن الزواج المتعارف عليه في زمانكم و مكانكم.
و قول الرسول صلى الله عليه و سلم : " لا ضرر و لا ضرار" أي إن كان هذا الزواج سيضر الزوجة نفسيا أو جسديا فلا يجوز شرعا.
و قد جعل الإسلام الحق كل الحق للمرأة في الموافقة على زوجها أو رفضه و لا يجوز إكراههن و ذلك في قول الرسول صلى الله عليه و سلم : "لا تُنكح البكرُ حتى تُستأذن" و هذا نص صريح دال على وجوب موافقة المرأة على الزواج و عدم مشروعية إجبارها.

و قد تتسأل لماذا لم يجعل الإسلام من بلوغ المرأة الحيض شرطا لزواجها، و الإجابة على ذلك كما يلي :

لأن المرأة قد تبلغ الحيض و بالرغم من ذلك لا تكون قادرة على تحمل الجماع و بالتالي فإن زواجها فيه ضرر لها.
و ربما تكون المرأة قد تجاوزت العشرين و رغم ذلك لم تحض لأسباب مَرَضيَّة و بالرغم من ذلك فهي قادرة على تحمل الجماع. «««وهذا تفسير آية واللائي لم يحضن »»»

 و بالنسبة لزواج الصغيرة بغير إذنها فنكتفي بنقل ما قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حيث قال : "الأصل هو عدم جواز تزويج الرجل لابنته الصغيرة بغير إذنها لقول الرسول صلى الله عليه و سلم : "لا تُنكح البكر حتى تُستأذن" فلا يجوز تزويجها إلا عند بلوغ السن التي تكون فيها أهل للاستئذان و هذا هو الصحيح أن البنت لا تتزوج حتى تبلغ و إذا بلغت فلا يزوجها حتى ترضى لقوله تعالى : "وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح"" (كتاب الشرح الممتع - ابن عثيمين).
وللتفصيل في هذا الموضوع راجع الحلقة ذات الرقم (3)

و بذلك تبين أن هذه الشبهة واهية قد سقطت و دلت علي جهل و حماقة صاحبها بشهادة المؤرخين قديما و حديثا.
الملحقات:
(1) https://youtu.be/gquZENh4D1A
(2) https://chnm.gmu.edu/cyh/case-studies/230
(3) https://youtu.be/evGbzDcqKLk
(4) https://womensenews.org/2021/10/child-brides-closer-than-you-think/
(5) https://www.historyextra.com/period/medieval/love-and-marriage-in-medieval-england/

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرد على الشبهات حول زواج النبي ﷺ من السيدة صفية رضي الله عنها ؟؟

الرد على الشبهات حول زواج النبي ﷺ من أمنا زينب بنت جحش رضي الله عنها؟!

الرد على شبهة ملك يمين!!!