الرد على الشبهات حول زواج النبي ﷺ من أمنا زينب بنت جحش رضي الله عنها؟!

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ:
شبهة زواج النبي من السيدة زينب بنت جحش!!!رضي الله عنها.
معنا اليوم موضوع زواج النبي ﷺ من السيدة زينب رضي الله عنها، يقولون أن النبي ﷺ اشتهى زوجة ابنه بالتبني زيد، و أمره أن يطلقها لأنها أعجبته، و بعد ذلك طلقها زيد و تزوجها النبي ﷺ. ليس هذا فقط، بل يستشهدون بروايات أيضا ، و سنفند هذه الروايات و نرى هل هي صحيح أم لا. بداية و حتى لا يمل القارئ، الاحاديث التي يستدلون بها موضوعة لا تصح نسبتها للنبي ﷺ، و هي كلها أحاديث ضعيفة سندا، و هذا سوف نثبته في نهاية المقال إن شاء الله. و فوق كل هذا لدينا روايات صحيحة تنفي هذا الكلام.
___________________________________
في تفسير الطبري نجد أن النبي ﷺ هو من زوّج زيدا و زينب رضي الله عنهما؛ لأن زينب رضي الله عنها كانت ابنة عمة النبي ﷺ، و كانت من سادة القوم، و كان زيدٌ قد تبناه النبي ﷺ حين كان عبدا لا يجد من يرعاه، فتبناه النبي ﷺ ليرعاه فأحب النبي ﷺ أن يقضي على عادة أن السيدة لا تتزوج من العبد فوجد النبي ﷺ هذه الفرصة فعرض على السيدة زينب زواجها من زيد وكانت زينب رضي الله عنها رافضة في البداية ثم اقتنعت.

 (1)، فلو كانت زينب تعجب النبي ﷺ فلماذا لم يتزوجها من البداية؟!!

و لم يثبت ابدا ان النبي ﷺ طلب من زيد أن يطلق زوجته، بل الثابت كما ورد في الآية من سورة الأحزاب : "و إذ تقول للذي أنعم الله عليه و أنعمت عليه أمسك عليك زوجك و اتقِ الله"، تعالوا نفتح تفسير ابن كثير رحمه الله عن هذه الآية يقول : "فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله ﷺ فجعل رسول الله يقول له : "أمسك عليك زوجك و اتق الله""، أي أن ما حصل هو العكس، فأنتم تقولون أن النبي هو من أمره بطلاقها، و القرآن يرد و يقول عكس ما قلتم.
(2)و هذا ينسف شبهتكم بأكملها، و يدلنا على أن سبب طلاقهما هو أنه لم يكن هناك انسجام بينهم؛ لأن زينب رضي الله عنها كانت تنظر إليه أنه عبد و أنها من سادة القوم؛ فكان زيد يتضايق جدا من هذه التصرفات، لذلك أصر على الطلاق.
حتى الآن كل الروايات تقول بأن النبي لم يطلب من زيد أن يطلق زينب بل كان يحاول منع هذا.

لنقرأ الآن الآية كاملة من سورة الأحزاب و التي تستخدم للطعن في هذا الزواج المبارك، تقول الآية : "و إذ تقول للذي أنعم الله عليه و أنعمت عليه أمسك عليك زوجك و اتق الله و تخفي في نفسك ما الله مبديه". 
فما الذي أخفاه النبي ﷺ في نفسه؟!! الآية نفسها أعطتنا إشارة و هي "ما الله مبديه"، أي أن الله أبدى ما أخفاه النبي ﷺ، و ما الذي أبداه الله عز وجل ؟! هو كما ذُكر في تفسير ابن كثير " لكن الله تعالى أعْلَمَ نَبِيَّهُ أنَّها سَتَكُونُ مِن أزْواجِهِ قَبْلَ أن يتزوجها،" ، فالواقع ان ما أخفاه النبي ﷺ هو الزواج فقط و ليس الحب.
    هذا الكلام من يبحث فيه يجد أن ابن كثير و ابن عثيمين رحمهما الله يقولان في تفسيريهما -ما مجمله- أن ما أخفاه النبي ﷺ هو إخبار الله عز و جل له بأنه سيزوجه من زينب إذا طلقها زيد، كان النبي ﷺ يعلم ذلك و مع ذلك كان يقول لزيد : "أمسك عليك زوجك" رغم علمه أن الله أخبره أنه سيتزوجها و أن الطلاق واقع لا محالة. الآية واضحة جدا كما قال ابن عثيمين و لا إشكال فيها أصلا.

تكملة الآية تقول : "و تخشى الناس و الله أحق أن تخشاه" لأن النبي ﷺ كان يخشى أن يقول الناس عنه أنه تزوج حليلة ابنه بالتبني، لأن زينب رضي الله عنها كانت زوجة الابن المتبنَى، و هي محرمة لأن ابن التبني عندهم كان في مقام الابن تماما، و نحن نعرف أن الإسلام يحرم زوجة الابن على الأب. حتى لو طلقها فإن النبي ﷺ كان يخشى من ذلك، لذلك فإن الله عز و جل يعاتبه و يقول له ألا يلتفت لكلام الناس و لا يخشاهم فالله أحق بالخشية.
نكمِلُ الآية فتقول : "فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها"، يعني لما قضى زيد حاجته منها و طلقها، زوجه الله عز و جل إياها.
فلماذا تزوجها نبينا ﷺ؟ أو لماذا زوجه الله عز و جل إياها؟ نفس الآية تجيب علينا و تقول : "لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم"، يعني حتى لا يكون عند الناس حرج من الزواج من طليقة أبنائهم من التبني فما دام النبي ﷺ قد فعلها فلا حرج فيها، لماذا؟! لأن النبي قدوة لنا و قد فعلها؛ إذا فلا يستطيع أحد أن يعير أحدا امتثل لفعل النبي ﷺ.
فغرض زواج النبي من زينب رضي الله عنها هو ما ذكرناه و ليس غرضه تحريم التبني؛ لأن التبني تم تحريمه قبل هذه الواقعة، و إذا عدنا للوراء في نفس السورة : سورة الأحزاب و قبل هذه الآيات، يقول الله عز و جل : "أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله"، و هذا يعني أن التبني تم تحريمه قبل هذه الواقعة، و الغرض من الزواج هو لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم.

هنا سيسألك لماذا الإسلام حرم التبني أصلا؟! ما هذه القسوة؟! ألا يوجد عطف على هؤلاء الأطفال؟!!
نقول له أن تحريم التبني جاء لمنع اختلاط الأنساب، سيأتيك  شخص و يصيح قائلا مستفهما كيفية اختلاط الأنساب، فعلا كيف سيحدث اختلاط أنساب؟!!
أولا لو أخذت طفلا فليس من حقك أن تنسبه لك؛ لأنك بذلك تسلب حق أبيه في ذلك، ثانيا هذا سيكون له تبعات و آثار، كيف؟! مثلا ابنتك هي في الأصل ليست محرمة عليه، و بهذا فأنت قد جعلتها محرمة عليه و أصبح لا يجوز له أن يتزوجها. مثلا أختك صغيرة في السن و أراد أن يتزوجها، أنت بذلك حرمت عليه الزواج منه؛ لأنها في مقام عمته. و هكذا فأنت خلطت الأمور و جعلت الحلال حراما و الحرام حلالا. و لو تبنيت هذا الطفل و لم تتبنَ أخته أصبحت أخته من أبيه حلالا له و هي في الأصل حراما عليه.
و لهذا جاء الإسلام بالحل و هو أن نحرم التبني دون تحريم الكفالة، فالإسلام لا يحرّم كفالة اليتيم أو كفالة المسكين، فالنبي ﷺ جعل جزاء من يكفل يتيم مجاورته في الجنة، يقول النبي ﷺ : "أنا و كافل اليتيم في الجنة كهاتين" و أشار بأصبعه الوسطى و السبابة. فالإسلام حرم ما سيحلل الحرام و يحرم الحلال، و حلل الكفالة ، حلل الكفالة، فيمكنك أن تنفق عليه و تكفله و تربيه كما تربي أبناءك تماما و لكن لا تنسبه لك.

و بعد ذلك سيخرج علينا خفيف الظل يضحكنا قائلا : "هل الإله كان قد انتهى من كل مشاكل البشر فأصبح يهتم لأمور النبي الشخصية"، و هذا طبعا شخص جاhل و غbي في نفس الوقت؛ لأن الإسلام لم يترك شاردة و لا واردة من أمور الدنيا أو الآخرة إلا و قد فصلها ؛ وهذه الآية ليست أقل شأنا من غيرها من الآيات الأخرى التي ستفيد البشرية؛ لأن هذا الأمر ليس من الأمور الشخصية للنبي ﷺ أصلا، إنما هو أمر اجتماعي، فالآية تقول : "لكي لا يكون على المؤمنين حرج"، "على المؤمنين" تعني أن هذه الآية تعالج أمرا من أمور المسلمين كلهم و ليس من أمور الرسول ﷺ، تعالج الأمور الاجتماعية و ليس أمرا شخصيا خاصا بالنبي ﷺ.

و لو افترضنا أنها تعالج أمرا شخصيا خاصا بالنبي، فما المانع من ذلك؟! أليس هذا النبي مرسل إلى البشر كلهم؟!! فما المانع العقلي من أن تكون الآية تعالج أمرا شخصيا خاصا بالنبي ﷺ؟!! مشكلتك أنك دائما تضع موانع عقلية ليست موجودة إلا في رأسك المربعة، يعني أنت تفترض أن هناك موانع عقلية، فأين هو هذا الثابت العقلي الذي يتعارض مع اهتمام الإله بالنبي؟! لا يوجد. وهو ما يعرف بمغالطة ( إستلزام ما لا يحب إلزامه)

 سنناقش بطلان الروايات التي تدعي أن النبي ﷺ أعجب بزينب رضي الله عنها:
الآن نناقش الأحاديث التي تدَّعي أن النبي ﷺ وقع في قلبه حب أو إعجاب بالسيدة زينب و هي على ذمة زيد رضي الله عنه، هذه الأحاديث وردت في أربع أسانيد سنتكلم عن ثلاثة منهم و الباقي نفس الحكم. و في النهاية سننقل قول أحد المفسرين أن هذه الأسانيد كلها باطلة تمام.

سنبدأ بأول رواية و هي رواية جاءت في تفسير الطبري رحمه الله (3) سنجد ان الرواية سندها يبدأ ب"حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد" ثم ذكر الرواية، هذا السند به علتين كافيتين لإضعاف الرواية : فأول علة و هو عبد الرحمن ابن زيد ابن أسلم و هو ضعيف الحديث، حسنا و ما هو الدليل؟! لنذهب لعلم الجرح و التعديل، نفتح سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي الجزء العاشر صفحة ٣٥ نجده يقول : "قال الإمام أبو الحجاج المزي : قال أحمد بن حنبل : ضعيف، قال البخاري و أبو حاتم : ضعفه ابن المديني جدا، و قال أبو داوود : أولاد زيد ابن أسلم كلهم ضعيف و قال النسائي : ضعيف".
ثاني العلتين هنا في هذا السند هو الإرسال، فنجد أن عبد الرحمن ابن زيد ابن أسلم يروي رواية مباشرة عن النبي ﷺ و هو أصلا لم يدرك النبي ﷺ فهنا الحديث مرسل و الحديث المرسل من أقسام الحديث الضعيف.

    الرواية الثانية مذكورة في تفسير الطبراني (4) أيضا فيقول : "قال ابن عمر حدثني عبدالله بن عامر الأسمى عن محمد ابن يحيى ابن حبان"، و في هذا السند ثلاث علل : العلة الأولى محمد ابن عمر الواقدي و هذا كذاب باتفاق الكل فأي رواية تجده فيها اعلم أن الرواية مكذوبة. و الدليل على هذا نجده في تهذيب الكمال الجزء السابع عشر صفحة ١١٤ يقول : "قال الإمام الذهبي : قال أحمد بن حنبل : هو كذاب يقلب الأحاديث، و قال ابن معين : ليس بثقة، و قال البخاري و أبو حاتم : متروك، و قال النسائي : يضع الحديث، و قال الدراقطني : فيه ضعف".
العلة الثانية و هو عبدالله بن عامر الأسلامي و هو ضعيف الحديث، و الدليل على ذلك في المستدرك على الصحيحين الجزء الرابع الصفحة ١٠٦ يقول : "قال الإمام ابن حجر العسقلاني : ضعيف".
ثالث علة في الرواية هو الإرسال فمحمد بن يحيى بن حبان هو ثقة و لكنه لم يدرك النبي ﷺ لأنه من الطبقة الرابعة و الطبقة الرابعة لم تدرك النبي ﷺ بل جل روايتهم تكون عن التابعين و ليس حتى عن الصحابة فضلا عن كونها عن النبي ﷺ، و هذا الكلام سنجده في ميزان الاعتدال للذهبي الجزء السادس صفحة ٢٧٣.

    الرواية الثالثة نقلها لنا مقاتل في تفسيره (5) و نقلها عنه الإمام الطبري، لنرى أقوال العلماء عنه، قال الإمام الدراقطني في كتابه الضعفاء و المتروكين صفحة ٢٣٥ : "مقاتل ابن سليمان يكذب"، و قال الذهبي في سير أعلام النبلاء الجزء السابع الصفحة ٢٠٢ : "قال البخاري : لا شيء ألبتة"، و قال ابن حاتم في الجرح و التعديل الجزء الرابع صفحة ٣٥٤ : "صاحب التفسير و المناكير" أي أن مقاتل روى هذه الرواية و لا تؤخذ منه.

    هذا الموضوع أوجزه الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره فقال : "ذكر ابن جرير، و ابن أبي حاتم ها هنا آثارا عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحتها فلا نوردها" (6).

    أي أن كل الروايات التي تقول ان النبي ﷺ وقع في قلبه حب للسيدة زينب رضي الله عنها أو أنه أمر زيدا أن يطلقها باطلة لا تصح بشهادة أقوال العلماء. و هؤلاء أقصاهم أن يستشهدوا بأحاديث ضعيفة أو أحاديث صحيحة و لكن يحرفون معانيها أو جهل باللغة أو ما شابه ذلك.
و الى هنا ينتهي الرد ويتبين خطأ إفتراءاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم
المراجع 
(1) تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر ١٩/‏١١٢ — الطبري، أبو جعفر (ت ٣١٠)
(2) تفسير ابن كثير ت سلامة ٦/‏٤٢٤ — ابن كثير (ت ٧٧٤)
(3) تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر ١٩/‏١١٦ — الطبري، أبو جعفر (ت ٣١٠)
(4) نفس المرجع السابق
(5) تفسير مقاتل ابن سليمان البلخي ج3 ص47 ط دار الكتب العلمية
(6) تفسير ابن كثير ت سلامة ٦/‏٤٢٤ — ابن كثير (ت ٧٧٤)

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرد على الشبهات حول زواج النبي ﷺ من السيدة صفية رضي الله عنها ؟؟

الرد على شبهة ملك يمين!!!