شبهة شتم القرآن الوليد بن المغيرة؟
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ:
منقول من صفحة العلم يؤكد الدين على فيسبوك:
نص الشبهة:
الإدعاء بأن القرآن الكريم شتم الوليد بن المغيرة وقال عنه ( إبن زنا) في التفسير للآية 13 من سورة القلم ( عتل بعد ذلك زنيم), هو إدعاء باطل ومكذوب ومفترى على كتاب الله, وهل يعقل أن الله يصف أحدا من عباده بأنه ( إبن زنا) , والله نفسه في القرآن يقول : (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
وكلنا نعلم أيضا أن الله حرم قذف المحصنات وإتهامهم بالفاحشة بدون أدلة, فكيف يخالف الله كلامه وحاشاه ويصف أم الوليد بن المغيرة بأنها زانية؟
للإجابة عن هذا الإدعاء سنعود الى كتب التفسير التي فسرت معنى الكلمة بأسانيد صحيحة, وبعدها سنعرف أصل هذه القصة ومن أين أتت.
أولا : معنى كلمة (زنيم) من كتب التفسير:
إذا عدنا إلى كتب التفاسير , سنجد بعضا من أقوال المفسرين عن كلمه ( زنيم) وهي كما يلي:
1. تفسير مجاهد المخزومي (المتوفى سنة 104ه) ويعتبر واحدا من أقدم تفاسير القرآن , يقول في تفسيره لكلمه زنيم نقلا عن إبن عباس: هو الرجل يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها.
2. تفسير مقاتل بن سليمان (المتوفي سنة 150ه) وهو من تفاسير القرآن القديمة أيضا يقول في تفسيره لكلمة زنيم :
ومعنى { زَنِيمٍ } أنه كان في أصل أذنه مثل زنمة الشاة مثل الزنمة التى تكون معلقة في لحى الشاة زيادة في خلقه.
3.تفسير القرآن ل(مجد الدين الفيروز آبادي) قال في تفسيره للآية:
{ زَنِيمٍ } ملصق بالقوم ليس منهم ويقال معروف في الكفر والشرك والفجور والفسوق والشر ويقال له زنمة كزنمة العنز.
4.تفسير الوسيط للشيخ ( محمد علي الطنطاوي) وهو أحد شيوخ الأزهر السابقين المتوفى سنه 2010, يقول في تفسيره لكلمه زنيم:
هو اللصيق بالقوم دون أن يكون منهم ، وإنما هو دعى فيهم ، حتى لكأنه فيهم كالزنمة ، وهى ما يتدلى من الجلد فى حلق المعز أو الشأة .
5..أما أبن كثير وبعد أن ساق أقوالا عديدة من المفسرين, كتب كخلاصة لمعنى كلمة الزنيم ما يلي:
"....والأقوال في هذا كثيرة ، وترجع إلى ما قلناه ، وهو أن الزنيم هو : المشهور بالشر ، الذي يعرف به من بين الناس"
وللأمانه العلمية, فقد ذكر بعض المفسرين أن كلمه (زنيم) تعنى إبن زنا فعلا, وهذا بلا شك خطأ وغلط على كتاب الله, ولكنه لم يكن كلامهم بل كان نقلا عن آخرين, فنجد القرطبي مثلا في تفسيره للآية السابقة, ينقل القول التالي عن الحسن بن أحمد الهمداني :
وقال مرة الهمداني : إنما ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة . (يقصد الوليد بن المغيرة)
وبسبب هذا الخطأ من بعض المفسرين, نقل هذا المعنى أيضا بعض شيوخ المسلمين على الفضائيات , وهؤلاء الشيوخ ومن أمثالهم وللاسف, ينطبق عليهم حديث النبي عليه الصلاة والسلام : ( أن الله لا يقبض العلم إنتزاعا ينتزعه من العباد, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء, حتى إذا لم يبق عالما, إتخذ الناس رؤوسا جهالا, فسئلوا, فافتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).
نعم, فهؤلاء هم الرؤوس الجهالة الذين حذر منهم النبي عليه الصلاة والسلام, فصاروا ينقلون هذه الروايات بدون التثبت من صحتها.
ثانيا: من أين أتت شبهه أن كلمه زنيم تعنى إبن زنا ؟
تروي بعض كتب التفسير مثل كتاب ( صفوة التفاسير) للشيخ الصابوني قصه أعتراف والدة الوليد بن المغيرة لإبنها بأنه أبن زنا, وهذه القصه لا يعرف من هو مؤلفها , وقام بعض المفسرين بنقلها في كتبهم بدون سند, وبدون الإشارة الى الرواي, فتقول القصة المكذوبة ما يلي :
....نزلت في «الوليد بن المغيرة» فقد كان داعيا في قريش وليس منهم، إدعاه أبوه بعد ثمان عشرة سنة أي تبناه ونسبه لنفسه بعد أن كان لا يعرف له أب قال ابن عباس: لا نعلم أحدا وصفه الله بهذه العيوب غير هذا، فألحق به عارا لا يفارقه أبدا، وإنما ذم بذلك لأن النطفة إذا خبثت خبث الولد، وروي أن الآية لما نزلت جاء الوليد إلى أمه فقال لها: إن محمدا وصفني بتسع صفات، كلها ظاهرة في أعرفها غير التاسع منها يريد أنه {زنيم} فإن لم تصدقيني ضربت عنقك بالسيف، فقال له: إن أباك كان عنينا أي لا يستطيع معاشرة النساء فخفت على المال فمكنت راعيا من نفسي فأنت ابن ذلك الراعي، فلم يعرف أنه ابن زنا حتى.
وقد ذكرت هذه القصة في بعض كتب التفاسير الآخرى مثل ( الكشاف) للزمخشري بدون إسناد أيضا, ولاحظ عباره (وروي أن الآيه لما نزلت....) المذكورة في القصة, فمن هو الذي رواها؟؟ إذن واضح ان هذه الرواية هي من مجهول.
إنما الحقيقة هي أن الوليد بن المغيرة ( الذي نزلت فيه هذه الآيات) لم يكن دعيا في قريش ولا لصيقا, بل كان من سادات قريش, والعرب كانوا معروفون بحفظهم للأنساب وافتخارهم بها , ولذلك نجد الإمام البخاري في صحيحه – تحت باب : بدء الوحي يروي حديثا عن إبن عباس وأبا سفيان بن حرب, عن قصة هرقل ملك الروم عندما سأل عن النبي عليه الصلاة والسلام وصفاته وأخلاقه, فيقول الحديث على لسان أبو سفيان:
"....ثم كان أول ما سألني عنه أن قال كيف نسبه فيكم؟ قلت هو فينا ذو نسب.
إذن نسب النبي كان معروف, والناس كانوا يعرفون ذلك ويحفظون الأنساب ويتفاخرون بها, وتروي كتب التاريخ أيضا عن شخص إسمه (أبو جهم بن حذيفة) وهو من قبيلة قريش, حيث كان عالما بالأنساب, وكانت قريش تأخذ منه وتستشيره.
فهل يعقل أن لا يعرف أحد نسب الوليد بن المغيرة؟ بل وتقول الروايه المكذوبة أن أب الوليد بن المغيرة إدعاه بعد 18 سنه؟؟؟ هل يعقل أن قريش ولمده 18 سنة لم يعرفوا أن الوليد بن المغيرة إبن زنا وهم أكثر القبائل حفظا للإنساب؟
لذا يبدو أن مؤلف هذه القصة هو أحد الزنادقة, الذي أراد بتأليفه لها شيئ واحد فقط, وهو الطعن في نسب الصحابي خالد بن الوليد, كون الوليد بن المغيرة الذي نزلت فيه الآية هو والده.
ولذلك نجد الإمام البخاري في صحيحه, في كتاب التفسير, تحت باب (عتل بعد ذلك زنيم) , الحديث رقم 4917, شرح فيه معنى كلمه زنيم بسند عن إبن عباس فقال : رجل من قريش له زنمة مثل زنمة الشاه. ( الصورة المرفقه رقم 1).
ومعجم ( تاج العروس) أيضا, وضع شرحا لكلمة ( الزنيم) , بأكثر من وجه ومعنى, لم يذكر إطلاقا أن هذه الكلمه تعني ( إبن الزنا) – الصورة المرفقه رقم (2).
و نجد في تفسير الطبري للآية السابقة, بيت شعر لحسان بن ثابت من قصيدة تحمل عنوان ( لقد علم الأقوام أن ابن هاشم) يقول البيت التالي في أبي سفيان:
وأنت زنيم نيط في آل هاشم * كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
فلا يعقل طبعا أن حسان بن ثابت يصف أبو سفيان في هذا البيت الشعري بأنه إبن زنا, وهو من صحابه الرسول عليه الصلاة والسلام وتتلمذ على يديه وتعلم من أخلاقه وكان يلقب ب( شاعر الرسول)؟
الخلاصة:
إن كلمه ( زنيم) بعد عرض الأدلة من الأحاديث الصحيحة السند وأقوال قدماء المفسرين تعني: الرجل الذي يعرف بالشر , أي له علامة على شره والفسق يعرف بها, مثلما تعرف الشاه بالزنمة, وهي قطعه من الجلد تتدلى من إذن الشاه أو الحلق.