الرد على الشبهات حول آية {و امرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي }
نص الشبهة :
ملحد يقول : أنا قرأت آية من القرآن أزعجتني جدا؛ لأنها مليئة بالشهوانية بشكل بشع، هذه الآية تقول : "و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها "، و فيدعي أن الاية ليست شهوانية فحسب، و إنما بها خطأ لغوي في قوله خالصة لك بعد أن قال إن أراد النبي أن يستنكحها.
الرد :
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
لنقرأ الآية من البداية و نرى ماذا تقول، يقول تعالى : "و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين" و الإشكال غالبا يتمثل في لفظين و هما "وهبت" و "يستنكحها"، فغالب الظن أنه أعتقد أن معنيهما قبيح لا يليق بكلام الله ، لذا دعنا نوضح له ما ألتبس عليه.
إن الهبة في الآية الكريمة معناها الزواج بدون مهر، فهي تهب مهرها للنبي ﷺ، و هذا هو المعنى الذي عليه إجماع المفسرين، -تصفح اي تفسير معتبر إذا شئت- فلا يوجد مفسر معتبر يقول أن معنى الهبة مختلف عن الزواج بدون مهر، و هنا يتضح لك أن شبهتك نتجت من جهلك أصلا و ليست نتيجة تفكيرك كما أوهمت نفسك.
أما معنى كلمة نكاح فلربما فهمتها بمعنى الزنا مثلا أو أنه فعل قبيح أو شيء مثل ذلك. و رغم أننا نجهل ما هو معجمك الذي جئت منه بهذه المعاني، إلا أن القرآن نفسه سيجيب عليك و يقول لك ما معنى نكاح ، نقرأ في سورة الأحزاب الآية ٤٩ يقول الله تعالى : "إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن". إذاً النكاح هنا في الآية لا علاقة له أصلا بالدخول او المس، فهو مجرد عقد زواج اسمه النكاح، حتى نحن في أيامنا هذه نقول عقد النكاح فهل نقصد عقد الزنا؟! فعندما أقول عقد نكاح إبنتي فهل أقصد بذلك عقد زنا ابنتي؟!!
و هنا يتضح لنا أن الشبهة نابعة من الجهل، فلو بحثت قليلا عن معنى هذا الكلام لما اعتبرت هذه الآية شبهة أصلا.
فيكون معنى الآية هو لو أرادت امرأة أن يتزوج منها النبي ﷺ بدون مهر فهذا حلال للنبي ﷺ. لكن الزواج هنا زواج تقوم به أسرة و أولاد و ليس ما فهمته أنت من هذه المعاني القبيحة، و لو تتبعت سبب نزول الآية لما خطر على بالك أن الآية تدل على الشهوانية.
و هكذا للمرة الثالثة نجد أن جهلك هو ما أوقعك في المشكلة.
أما عن سبب نزولها فعن سهل بن سعد قال : أتت النبي ﷺ امرأة، فقالت : أنها قد وهبت نفسها لله و لرسوله ﷺ، فقال ﷺ : ما لي في النساء من حاجة. فهذه المرأة جاءت بنفسها للنبي فقال ﷺ له : ما لي في النساء من حاجة، فالله عز و جل يقول للنبي أنه لو أراد ذلك فهي مباحة له. (رواه البخاري)
فأين الشهوانية؟! ، بل إن النبي ﷺ قال لها : "ما لي في النساء من حاجة"، هو ﷺ أصلا لم يستخدم الرخصة التي رُخصت له من الله عز و جل.
لنكمل بقية حديث:
فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا، قَالَ: أعْطِهَا ثَوْبًا، قَالَ: لا أجِدُ، قَالَ: أعْطِهَا ولو خَاتَمًا مِن حَدِيدٍ، فَاعْتَلَّ له، فَقَالَ: ما معكَ مِنَ القُرْآنِ؟ قَالَ: كَذَا وكَذَا، قَالَ: فقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بما معكَ مِنَ القُرْآنِ.
[1] أخرجه البخاري (5029)، ومسلم (1425)
وقد صرح ابن عباس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج اي من الواهبات انفسهن .
نقرا من تفسير الطبري رحمه الله لسورة الاحزاب :
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن عنبسة بن الأزهر، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال لم يكن عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم امرأة وهبت نفسها.
حسن الرواية ابن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري الجزء التاسع كتاب النكاح :
(( ويعارضه حديث سماك عن عكرمة عن ابن عباس " لم يكن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة وهبت نفسها له " أخرجه الطبري وإسناده حسن ، والمراد أنه لم يدخل بواحدة ممن وهبت نفسها له وإن كان مباحا له لأنه راجع إلى إرادته لقوله تعالى . إن أراد النبي أن يستنكحها ، ))
اما ما روي عن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها كما نقله ابن كثير رحمه الله في تفسيره لسورة الاحزاب :
((ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا منصور بن أبي مُزَاحم، حدثنا ابن أبي الوضاح -يعني: محمد بن مسلم -عن هشام بن عُرْوَة، عن أبيه، عن عائشة قالت: التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم ))
فخولة بنت حكيم رضي الله عنها وهبت نفسها للنبي عليه الصلاة و السلام ليتزوجها بغير صداق الا ان النبي عليه الصلاة و السلام لم يقبل .
و الدليل على ذلك :
نقرا من صحيح البخاري كتاب النكاح باب التزويج على القرآن وبغير صداق 4854 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان سمعت أبا حازم يقول سمعت سهل بن سعد الساعدي يقول إني لفي القوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قامت امرأة فقالت يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك فلم يجبها شيئا ثم قامت فقالت يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك فلم يجبها شيئا ثم قامت الثالثة فقالت إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك فقام رجل فقال يا رسول الله أنكحنيها قال هل عندك من شيء قال لا قال اذهب فاطلب ولو خاتما من حديد فذهب فطلب ثم جاء فقال ما وجدت شيئا ولا خاتما من حديد فقال هل معك من القرآن شيء قال معي سورة كذا وسورة كذا قال اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن.