هل يمكن أن يكون القرآن الكريم نتاج النبي ﷺ الشخصي؟

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ:
من كتاب (الحياة المثلى وأدلة صحة الإسلام)
لقد وُلد النبي ﷺ يتيمًا وعاش في صغره مع عمه أبو طالب حيث كان يرعى أغنام وإبل عمه إلى أن كبر وعمل بالتجارة حتى تزوج زوجته الأولى خديجة رضي الله عنها ونزل عليه الوحي وادّعى النبوة وهو تاجر ، فلم تتجاوز خبراته ومجالات عمله طوال حياته رعي الأغنام والتجارة فلم ينشد شعرًا ولا نثرًا أو أي فن من فنون الأدب أبدًا
وكانت قبيلته التي عاش فيها قد اشتهرت بامتلاكها فطاحلة العرب في الشعر والأدب وكان لا يضاهيها أي أحد في ذلك المجال
وفجأة ذات يوم خرج النبي ﷺ لهولاء الفطاحلة وقال لهم أتحداكم أن لو اجتمع كل شعرائكم بل وكل شعراء الدنيا بل وكل شعراء الجن على أن يأتوا بمثل كلام القرآن ما استطعتم ذلك أبدًا ، فإنكم لا تستطيعون ولن تستطيعوا الفوز في هذا التحدي البسيط الذي جاء من هذا الرجل الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب ولم ينشد الشعر طوال حياته والتحدي يكون في الإتيان بمثل هذا القرآن في إعجازه البلاغي والإخبار عن الماضي من تاريخ الأمم والمستقبل والحاضر ..إلخ
وقد سجل القرآن هذا التحدي فقال عز وجل "أَمۡ یَقُولُونَ تَقَوَّلَهُۥۚ بَل لَّا یُؤۡمِنُونَ * فَلۡیَأۡتُوا۟ بِحَدِیثࣲ مِّثۡلِهِۦۤ إِن كَانُوا۟ صَـٰدِقِینَ "(الطور 33-34)
وهو طلب منطقي فإن كنتم تزعمون أن بإمكان محمد -الأمي الذي لم ينشد شعرًا طوال حياته- أن يأتي بالقرآن من عنده ومن كلامه الشخصي ، فيا من أنشدتم الشعر طوال حياتكم وتفوقتم فيه على جميع القبائل هاتوا مثل القرآن الذي أتى به محمد إن كان الأمر بهذه السهولة واليسر لدرجة أن يأتي به من ليس له علاقة بالأدب ونظمه وفنونه !!
ولكن هؤلاء الفطاحلة في الشعر لم يحركوا ساكنًا ولم يستطيعوا مجابهة هذا التحدي والتغلب عليه فأرسلوا الوليد بن المغيرة -وهو أكثرهم فصاحة وبلاغة في الشعر- إلى النبي ﷺ يسمع منه القرآن ليخبرهم برأيه عنه فقد روى البيهقي بسنده عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه "أنَّ الوليدَ بنَ المغيرةِ جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقرأ عليه القرآنَ فكأنَّه رقَّ له ، فبلغ ذلك أبا جهلٍ فأتاه فقال : يا عمِّ إنَّ قومَك يريدون أن يجمعوا لك مالًا ليُعطوكه ، فإن أتيتَ محمَّدًا لتعرِضَ لَما قبِله، قال : لقد علِمتْ قريشٌ أنِّي من أكثرِها مالًا ، قال : فقُلْ فيه قولًا يبلغُ قومَك أنَّك منكِرٌ له وأنَّك كارهٌ له . فقال : وماذا أقولُ فواللهِ ما فيكم رجلٌ أعلمَ بالشِّعرِ منِّي ، ولا برجزِه ولا بقصيدِه منِّي ، ولا بأشعارِ الجنِّ ، واللهِ ما يُشبهُ الَّذي يقولُ شيئًا من هذا ، ««واللهِ إنَّ لقولِه لحلاوةً ، وإنَّ عليه لطلاوةً ، وإنَّه لمنيرٌ أعلاه مشرقٌ أسفلُه ، وإنَّه ليعلو وما يُعلَى عليه ، وإنَّه ليُحطِّمُ ما تحته»» قال : لا يرضَى عنك قومُك حتَّى تقولَ فيه ، قال : فدَعْني حتَّى أفكِّرَ ، فلمَّا فكَّر قال : هذا سحرٌ يُؤثرُ يَأثرُه عن غيرِه ، فنزلت : ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا . (أخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان 134) باختلاف يسير (إسناده صحيح على شرط الشيخين) )

فلما فشلوا هذا الفشل الذريع على أن يأتوا بقرآن مثل القرآن الذي نزل على النبي ﷺ خفف الله عنهم هذا التحدي فتحداهم أن يأتوا بعشر سور فقط مثل سور القرآن فقال الله عز وجل " أَمۡ یَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُوا۟ بِعَشۡرِ سُوَرࣲ مِّثۡلِهِۦ مُفۡتَرَیَـٰتࣲ وَٱدۡعُوا۟ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ * فَإِلَّمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَاۤ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ " (هود 13-14)
فلم يكتف بتحديهم بل وطلب منهم الإستعانة بكل من يستطيعون من الشعراء من الإنس والجن على أن يأتوا بعشر سور فقط وإن لم يفعلوا ذلك فهذا يثبت أن القرآن ليس مصدره النبي ﷺ الذي لا يقرأ ولا يكتب فإن كان هو مصدره لكان من اليسير على أقل شاعر في قريش أن يأتي بأفضل منه لا بمثله وهذه نتيجة منطقية 

ولكنهم أيضاً فشلوا في هذا التحدي فخفف الله عنهم هذا التحدي بتحدٍ بسيط جدا وهو أن يأتوا بسورة واحدة فقط مثل سورة من القرآن ومعلوم أن أقل سورة في القرآن هي سورة الكوثر والتي تتكون من ثلاث آيات فقط ، لك أن تتخيل أن يتحدى رجلٌ أمي لا يعرف الشعر كل الشعراء على أن يأتوا بثلاث آيات فقط مثل آيات القرآن ولا يستطيعون ذلك !!
فقد نقل لنا القرآن هذا التحدي الخفيف الأخير فقال عز وجل" وَإِن كُنتُمۡ فِی رَیۡبࣲ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُوا۟ بِسُورَةࣲ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُوا۟ شُهَدَاۤءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ * فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُوا۟ وَلَن تَفۡعَلُوا۟ فَٱتَّقُوا۟ ٱلنَّارَ ٱلَّتِی وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ أُعِدَّتۡ لِلۡكَـٰفِرِینَ " (البقرة 23-24) 
فحكم عليهم القرآن حكمًا أبديًا أنهم لن يأتوا بسورة مثله

وقد حسم القرآن الكريم هذه التحديات كلها بأنه لو اجتمع أعلم الخلق بالشعر من الإنس والجن مع بعض واتفقوا وتعاونوا على أن يأتوا بمثل القرآن فلن يستطيعوا فعل ذلك "قُل لَّىِٕنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰۤ أَن یَأۡتُوا۟ بِمِثۡلِ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا یَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضࣲ ظَهِیرࣰا" (الإسراء 88)

وهناك من الكفار من حاول الإتيان بمثل القرآن ولكنهم جميعًا باؤوا بالفشل الذريع والقرآن الكريم أكبر شاهد على ذلك
فهذه الآيات التي تذكر تلك التحديات قد نزلت في وجود قريش وفي وجود الصحابة رضي الله عنهم فلو كانت قد خالفت الواقع واستطاع الكفار أن يأتوا بمثل القرآن لكذّب بها الصحابة وتركوا الإسلام وقالوا للنبي ﷺ أتكذب علينا ونحن أحياء بينك !! ، لقد نجح شعراء قريش في التحدي وجاءوا بأفضل من قرآنك ...ولكن هذا لم يحدث بل آمن الصحابة الكرام بهذا القرآن وحفظوه في صدورهم وسطورهم بل ونقلوه بعد موت النبي ﷺ وهو ما يثبت قطعية هذه التحديات وإلا فما كانوا ليتحملوا كل هذه الصور من الأذى والإضطهاد لو كانوا يعلمون كذب هذه التحديات ، فقد نزلت هذه الآيات التي ذكرت تلك التحديات في مكة قبل الهجرة والمسلمون في حالة ضعف وقلة فلو كانت هذه التحديات زائفة لكذٌبوا النبي ﷺ وتركوه وانتهت دعوته وهي في بدايتها.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرد على الشبهات حول زواج النبي ﷺ من السيدة صفية رضي الله عنها ؟؟

الرد على الشبهات حول زواج النبي ﷺ من أمنا زينب بنت جحش رضي الله عنها؟!

الرد على شبهة ملك يمين!!!