إنشقاق القمر في الأحاديث النبوية

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ:
حادثة انشقاق القمر في الاحاديث النبوية:
■حادثة انشقاق القمر وقعت بمكة قبل الهجرة بخمس سنين، وقد ذكرت هذه الحادثة في سورة القمر في الآية الأولى منها، وهو قوله تعالى: "اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ " سورة القمر:
1- وهي من السور المكية كما أجمع جمهور المسلمين. وسبب نزولها هو أن مشركي قريش قالوا للنبي محمد: إن كنت صادقًا فشق لنا القمر فرقتين ووعدوه بالإيمان إن فعل. وكانت تلك الليلة هي الليلة السابقة لغزوة بدر، فطلب النبي محمد من الله أن يؤيده بهذه المعجزة، فانشق القمر حتى أصبح نصفين.
وقد أوشك أهل مكة على الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقال أبو جهل: "اصبروا حتى تأتينا أهل البوادي -أي يؤكد لنا هذا الخبر أهل البادية- فإن أخبروا بانشقاقه فهو صحيح، وإلا فقد سَحَر محمد أعيننا.
فقِدم بعض أهل البادية إلى مكة لاحقًا فأخبروا الناس برؤيتهم لإنشقاق القمر، فأعرض أبو جهل عنهم وأنكر عليهم كلامهم ووصف المعجزة بأنها سحر للأعين، فأنزل الله الآية الثانية من السورة: "وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ" -القمر:2-

وحادثة انشقاق القمر متواترة بالقرآن والحديث:
أ- تواتر الحادثة بالقرٱن: ذكرت حادثة انشقاق القمر في القرٱن في سورة القمر، وتواتر القرٱن ظاهر معلوم، وبالتالي فالحادثة متواترة بين الصحابة و عند المسلمين.
وقد روى الإمام مسلم وأهل السنن عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأضحَى والفِطرِ بـ ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ [ق: 1] واقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر: 1]) .

ب- تواتر حادثة الانشقاق بالحديث تواترا معنويا
ليعلم أولا ان التواتر المعنوي هو اختلاف ألفاظ المخبرين عن خبر مع اتفاق ألفاظهم على معناه. كما ذكر ذلك الصنعاني في اجابة السائل.

قال الحافظ ابن حجر في أماليه: أجمع المفسرون وأهل السير على وقوعه. قال: ورواه من الصحابة علي وابن مسعود وحذيفة وجبير بن مطعم وابن عمر وابن عباس وأنس، وقال القرطبي في "المفهم": رواه العدد الكثير من الصحابة، ونقله عنهم الجم الغفير من التابعين فمن بعدهم". انتهى

وجاء في "المواهب اللدنية": جاءت أحاديث الانشقاق في روايات صحيحة عن جماعة من الصحابة، منهم أنس وابن مسعود وابن عباس وعلي وحذيفة وجبير بن مطعم وغيرهم.

• رواية عبد الله بن مسعود:  
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: روى البخاري، ومسلم، والترمذي، ان ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين، حتى نظروا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشهدوا". انتهى

وقول النبي اشهدوا، دليل ان الحادثة حضرها جمع غفير من الناس ورأوها بأعينهم.
 
وجاء في حديث ٱخر لابن مسعود رضي الله عنه؛ أنه قال: "انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة" . قال: "فقالوا: انظروا ما يأتيكم به السفَّار؛ فإن محمداً لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم" . قال: "فجاء السفَّار فقالوا ذلك" . انتهى

هذا الحديث يدل أيضا أن المسلمين و مشركي قريش وغيرهم من السفار عاينوا حادثة شق القمر.

وروى البخاري في صحيحه من طريق ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "انْشَقَّ القَمَرُ ونَحْنُ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمِنًى، فَقَالَ: اشْهَدُوا وذَهَبَتْ فِرْقَةٌ نَحْوَ الجَبَلِ". انتهى

• رواية عبد الله بن عمر : قال الحافظ البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا : حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا وهب بن جرير عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمر في قوله اقتربت الساعة وانشق القمر قال : وقد كان ذلك على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انشق فلقتين ، فلقة من دون الجبل ، وفلقة من خلف الجبل . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اللهم اشهد " . وهكذا رواه مسلم والترمذي من طرق ، عن الأعمش عن مجاهد به . وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .

وروى ابن حبان في صحيحه تحت باب المعجزات، قال: "أخبرنا الحسين بن محمد بن أبي معشر، بحران، قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: «انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين». انتهى

وروى الحاكم في المستدرك، تحت كتاب التفسير: " فحدثناه أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا إبراهيم بن مرزوق البصري بمصر، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا شعبة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، في قوله عز وجل {اقتربت الساعة وانشق القمر} [القمر: 1] قال: كان ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، انشق القمر فلقتين فلقة من دون الجبل، وفلقة خلف الجبل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اشهد» ". انتهى

وابن عمر كان في مكة وقت الحادثة وكان حاضرا يوم بدر، فقد روى أبو نعيم في الحلية أن ابن عمر قال عن نفسه: «عرضت على النبي ﷺ يوم بدر، وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، فلم يقبلني، وعرضت عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يقبل وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة، فقبل». انتهى

فيفهم من هذا ان ابن عمر كان قد تجاوز سن التمييز بسنين، وبالتالي مشاهدته لحادثة انشقاق القمر قطعية. بل ان روايته للحادثة بتفاصيل مخصوصة تدل أنه كان حاضرا وعاينها بدقة.

•رواية علي بن أبي طالب: روى الطحاوي في بيان مشكل الآثار عن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة المخزومي الكوفي ثنا لوين حدثنا حديج بن معاوية الجعفي عن أبي إسحاق عن أبي حذيفة قال أبو جعفر وهو سلمة بن صهيب الأرحبي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال انشق القمر ونحن مع رسول الله عليه السلام"
 وقال الطحاوي :” فَكَانَ فِيمَا ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ تَحْقِيقُهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ كَمَعْنَاهُمْ فِيهِ، وَلَا نَعْلَمْ رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُمْ فِيهِ وَهُمُ الْقُدْوَةُ وَالْحُجَّةُ الَّذِينَ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ إلَّا جَاهِلٌ، وَلَا يَرْغَبُ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ إلَّا خَاسِرٌ”. انتهى

فقول الطحاوي بعد ذكره للأثر : "فَكَانَ فِيمَا ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ تَحْقِيقُهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ" أي لا شك ولا ريب في ان تلك الحادثة قد وقعت.

• رواية أنس بن مالك رضي الله : روى البخاري عن قتادة عن أنس أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ، فأراهم القمر شقتين ، حتى رأوا حراء بينهما". انتهى
وهذا الحديث تلقاه انس عن الجم الغفير من الصحابة ، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الجميع .
فقد أخرج الطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك بسنده عن حميد الطويل، أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدَّث بحديث، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغضِب غضبًا شديدًا، وقال: "والله ما كل ما نحدثكم به سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كان يحدِّث بعضنا بعضًا، ولا يتهم بعضنا بعضًا". انتهى
قال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح

•رواية عبد الله ابن عباس رضي الله عنه: قال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن عمرو البزار حدثنا محمد بن يحيى القطعي حدثنا محمد بن بكر حدثنا ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال : كسف القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : سحر القمر ، فنزلت : "اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر" وهذا إسناد جيد ، وفيه أنه كسف تلك الليلة ، فلعله حصل له انشقاق في ليلة كسوفه ، ولهذا خفي أمره على كثير من أهل الأرض ، ولعل ذلك في بعض ليالي الشتاء حيث يكون أكثر الناس في البيوت ، أو ستره غيم عن كثير من الأرض ، ومع هذا قد شوهد ذلك في كثير من بقاع الأرض ، ويقال : إنه أرخ ذلك في بعض بلاد الهند ، وبني بناء تلك الليلة ، وأرخ بليلة انشقاق القمر ". انتهى

و عبد الله بن عباس لم يكن قد ولد زمن حادثة انشقاق القمر، فالخبر يعتبر من مراسيل الصحابة، وقد تلقاه ابن عباس عن الجم الغفير من الصحابة ، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الجميع .
قال القسطلاني في "إرشاد الساري"، ما نصه: "وأما مرسل الصحابي كابن عباس وغيره من صغار الصحابة عنه صلى الله عليه وسلم مما لم يسمعوه منه، فهو حجة". انتهى

•رواية جبير بن مطعم : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن كثير حدثنا سليمان بن كثير عن حصين بن عبد الرحمن عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصار فرقتين ، فرقة على هذا الجبل ، وفرقة على هذا الجبل . فقالوا : سحرنا محمد . فقالوا : إن كان سحرنا ، فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم" . تفرد به أحمد . و سليمان بن كثير ضعَّفه ابن معين كما ضعَّف ولده محمدًا الذي روى هذا الحديث عنه، وقال ابن حبَّان: كان يخطئ كثيرًا.
وهكذا رواه ابن جرير من حديث محمد بن فضيل وغيره عن حصين به.
وجبير ابن مطعم لم يسلم إلا عام فتح مكة، وهو هنا لايذكر في روايته أنه رأى المعجزة بل يرويها عن أبيه، وأبوه مات كافرا في السنة الثانية للهجرة، اي أن ابن مطعم ينقل لنا شهادة أحد مشركي قريش وهو والده رؤيته لحادثة انشقاق القمر ومع ذلك لم يذعن للمعجزة امتثالا لأوامر سادة قريش ومنهم أبو جهل.
قال تعالى: "وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَیۡهِم بَابࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَظَلُّوا۟ فِیهِ یَعۡرُجُونَ - لَقَالُوۤا۟ إِنَّمَا سُكِّرَتۡ أَبۡصَـٰرُنَا بَلۡ نَحۡنُ قَوۡمࣱ مَّسۡحُورُونَ" -الحجر 14-15-
 فالأثر المروي يثبت حادثة انشقاق القمر، و جبير لم يقل عن والده أنه كان كاذبا ولا طعن في القصة من أصله. وهذه شهادة خارجية

•رواية حذيفة بن اليمان: ذكر السيوطي في الدر المنثور : خطبنا حذيفة بن اليمان بالمدائن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ} - سورة القمر: 1- ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق على عهد رسول الله ﷺ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار وغدًا السباق. انتهى
كما روى أبو نعيم في الدلائل من طريق عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: خطبنا حذيفة بن اليمان بالمدائن فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمر
- القمر:1- ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق ، فلما كانت الجمعة الثانية انطلقت مع أبي إلى الجمعة فحمد الله وقال مثله وزاد ألا وإن السابق من سبق إلى الجمعة، فلما كنا في الطريق قلت لأبي: ما يعني بقوله - غدا السباق - قال: من سبق إلى الجنة. انتهى

وليس في هذا الأثر عن حذيفة أنه لم يعاين الانشقاق وان هذا من كلامه مجرد تفسير، يل ان قوله " ألا وإن القمر قد انشق" تأكيد وجزم بالواقعة، وهذا يدل على انه حضرها وعاينها، فلا يشترط منه ان يقول حضرت او عاينت.

فيتلخص مما تقدم ان معجزة انشقاق القمر متواترة بالقرٱن، وأما في الحديث فقد وردت من طرق كثيرة بعضها صحيح وبعضها ضعيف ، يفيد مجموعها العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي وقال الرازي في تفسيره أنه خبر مشهور رواه جمع من الصحابة.
وهذه الأحاديث صريحة ان الكثير من الصحابة شهدوا الواقعة منهم: عبد الله بن مسعود وابن عمر والامام علي بن أبي طالب وحذيفة بن اليمان وغيرهم.

 قال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن: أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر، ولا إنكار للعقل فيه؛ لأن القمر مخلوق لله يفعل فيه ما يشاء كما يكوره يوم البعث ويفنيه، وأما قول بعضهم: لو وقع لجاء متواترا واشترك أهل الأرض في معرفته، ولما اختص بها أهل مكة، فجوابه أن ذلك وقع ليلا وأكثر الناس نيام، والأبواب مغلقة، وقل من يراصد السماء إلا النادر، وقد يقع بالمشاهدة في العادة أن ينكسف القمر، وتبدو الكواكب العظام وغير ذلك في الليل ولا يشاهدها إلا الآحاد، فكذلك الانشقاق كان آية وقعت في الليل لقوم سألوا واقترحوا، فلم يتأهب غيرهم لها، ويحتمل أن يكون القمر ليلتئذ كان في بعض المنازل التي تظهر لبعض أهل الآفاق دون بعض كما يظهر الكسوف لقوم دون قوم". انتهى

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرد على الشبهات حول زواج النبي ﷺ من السيدة صفية رضي الله عنها ؟؟

الرد على الشبهات حول زواج النبي ﷺ من أمنا زينب بنت جحش رضي الله عنها؟!

الرد على شبهة ملك يمين!!!